ثورة فبراير.. خارطة الطريق
- وجدي الصراري الأحد , 27 نـوفـمـبـر , 2016 الساعة 7:17:43 AM
- 0 تعليقات
ثورة الـ11 من فبراير 2011م، هي خلاصة الخلاصة، وهذا حين نخوض في غمار التاريخ اليمني المعاصر، منقبين في سطوره ومتفحصين واقعهُ الموضوعي وحساسية مشهده السياسي على الصعيدين المحلي والإقليمي.
هذه الثورة المباركة اختزلت في عمقها الغضب والقهر في تراكمه التاريخي، مكثفة إياه في صرخة (الشعب يريد إسقاط النظام)، معبرةً عن انتقال الوعي الشعبي لِحيِّز مادي يجعله قوة لا تقهر بيد الجماهير، وسلاحاً تدجج نفسها به معرفياً، فالجماهير فهمت فعلاً أن جوهر الإشكال التاريخي هو إفقارها بقرار سياسي موجود بشكل موضوعي في بنية النظام السياسي، وتركيبته الاقتصادية، وتقاطعه مع أنظمة الخارج وتبعيته لها.
هذه الثورة (المقدسة) تجسيد الحلم، اللوحة التي رسم بها الحراك الاجتماعي الشعبي، متناسياً كل تناقضاته الفرعية والصغيرة، المناطقية والمذهبية، وهي الحدث الأبرز، وهي التي حددت خط سير المجتمع بشكل نهائي نحو التغيير الراديكالي، والانتقال النوعي نحو المستقبل وتحديد ملامحهِ.
هذه الثورة التي أيقظت العالم من سباته وراحته، وأقلقت سكينتهُ، كانت ثورة على العالم نفسه، غضباً عارماً موجهاً لصدره، موجهاً للعالم الامبريالي، للسوق الأمريكية، للتسلط والهيمنة، كانت ثورة تحمل في قلبها كل رسائل الحرية التي صيغت والتي لم تُصغ بعد، لانتزاع هذا البلد من براثن العالم المتوحش.
ولأنها هكذا ندرك أن كل ما يحدث في هذه اللحظة التاريخية، هو ضريبتها ضريبة الحرية، فحين قلنا (الشعب يريد إسقاط النظام) كنا نعي التضحيات التي سنبذلها، لأننا نفهم تماماً أن العالم يعي ما نقول، إسقاط النظام أول خطوة لتغييره الجذري من عمقه الاقتصادي، وبالتالي نحو سقفه السياسي، عمقه الاقتصادي هو الذي يربطنا بعلاقات التبعية للسوق العالمي، والذي يعكس مصالح طبقة الحكم السياسي وتوجهها، وحين (الشعب يريد إسقاط النظام) هو ينسفه في أبعاده المختلفة، فيغير عمقه الاقتصادي، وبالتالي سيتغير سقفه السياسي حين لا ترتبط مصالحه بالتبعية للسوق العالمي، هكذا هو (يتمرد، يتحرر، يستقل بذاته)، بعيداً عن أدوات السوق وتبعيته السياسية، مستثيراً غضب العالم الإمبريالي.
ثورة الـ11 من فبراير رسمت خارطة طريق المجتمع كنتيجة منطقية لقراءة تناقضاته المحلية والإقليمية، مستثيرةً حساسية المحيط الدولي في جانبه الامبريالي، جاعلةً إياه في حالة إرباك، معيداً ترتيب الأولويات والأوراق.
إن الامبريالية العالمية وأدواتها في المنطقة، تستثمر الآن كل التراكم التاريخي للتجارب، وتكدس خبراتها في محاولتها حرف الحراك الاجتماعي عن خط سيره المرسوم في ثورة الـ11 من فبراير 2011، ومن هذا الاستثمار جاءت المبادرة الخليجية والأوراق الفيدرالية، وأخيراً الاحتلال، ورغم القدرات المادية الضخمة، والدهاء في توظيف التناقضات وتوزيعها، والعمل عبر الأدوات والقوانين الاجتماعية المحلية، هي لا تستطيع تغيير شيء، فالجوهر الثابت هو حركة المجتمع نفسه، وليس حركة الأدوات السياسية والمذهبية الموظفة، وكل ما تقوم به الآن قوى العدوان هو تأخير لحظة التحرر المنشود فقط لا غير.
وفي النهاية، شكراً لثورة الـ11 من فبراير، لرسمها الطريق وتحديدها ملامحه، والرحمة والخلود للشهداء والشفاء للجرحى، والمجد كل المجد لهذا الوطن أرضاً وإنساناً.
المصدر وجدي الصراري
زيارة جميع مقالات: وجدي الصراري