شُبَّابَة
 

عبده سعيد قاسم

لو لم يكن النفط موجوداً في منطقة الخليج العربي، لكان وضع الشعوب العربية، بما في ذلك وضع أبناء الخليج، أحسن حالاً مما هو عليه الآن، وأكثر تقدماً.
كان بإمكان الشعوب العربية أن تتطور في سياقات طبيعية، وبما تفرضه ضغوط الحياة وضروراتها، كسائر الشعوب التي صنعت تطورها بلا نفط وبلا اتكاء مطلق على الثروات المكنوزة تحت التراب، واتكأت فقط على الإنسان وقدراته في صناعة التقدم وتطور الحياة.
لقد وجد النفط الخليجي كثروة يحتاجها العصر في منطقة بينها وبين محيطها العالمي مسافات زمنية شاسعة، ولم تستطع الأنظمة النفطية أن تجسر هذا الفارق الشاسع بين واقعها البدوي المتخلف ومحيطها العالمي المتقدم، باستغلال هذه الثروة وتسخيرها لتنمية الإنسان باعتباره العنصر المحوري والأساسي في صناعة التطور المستدام. 
فاجأها اكتشاف النفط، ولم تكن جاهزة للتعاطي معه وتسخير ريعه لخدمة شعوبها وبناء قواعد تنموية ترتكز بالأساس على الإنسان المؤهل والقادر على الاستمرار في بناء الحياة حتى وإن نضب النفط وجفت منابعه.
إن هذه الأنظمة لم تَرَ في النفط سوى ثروة ترفية ألقتها الطبيعة بين يديها بمحض الصدفة، فحولتها الى وسيلة كافرة لتكريس البداوة والتخلف في مجتمعاتها، بل وتصديره الى كل بقعة من بقاع الأرض التي تصل إليها يدها، وتحت مسميات ومبررات مختلفة الأشكال واحدة المضمون.
لقد استطاعت تكريس التخلف بترسيخ القيم الاستهلاكية الفجة في أوساط مجتمعاتها، فارتخت الهمم وترهلت الإرادة وتلاشت الأحلام في الحضور الفاعل في مواكب صناعة الحياة. 
وتضخمت الذات الفردية والجمعية الخليجية بفضل حقنات الشعور بأن المال هو سيد العالم وقيمة كل قيمة.
ليس ذلك فحسب، بل إن أنظمة النفط البدوي اخترقت المجتمعات العربية بوسائل وطرق شتى، وأجهضت كثيراً من محاولات التغيير، وأفسدت التحولات في بلدان عربية كثيرة.
وكنا نحن اليمنيين أكثر شعب قتل النفط أحلامه ببناء دولة المساواة والقانون.
حتى الدين الإسلامي أصابته لعنة النفط الخليجي بأضرار فادحة. فقد استطاعت هذه الأنظمة وبأموال النفط، أن تفرغه من معانيه الخلاقة المبنية على التسامح والقبول بالآخر، وتحوله الى أيديولوجيا وهابية متعصبة تعتبر أية قيمة دينية خارج دوائر العنف كفراً بواحاً. 
لقد تمكنت من نشر هذه الثقافة المتطرفة في كثير من البلدان، بفضل عائدات النفط. النفط هذه اللعنة الأبدية التي وقعت تحت سيطرة البداوة والتخلف، فأصابت الحياة بمقتل.

أترك تعليقاً

التعليقات