الزبيري ليس إخوانياً
 

محمد ناجي أحمد

من الواضح أن التعليم الديني الذي تلقاه الشاعر الوطني محمد محمود الزبيري، في اليمن وفي مصر، حين درس كمستمع في الأزهر، فلم يكن التعليم الذي حصل عليه الزبيري في اليمن يسمح له بالالتحاق للدراسة في الأزهر، لذلك كان حضوره مستمعاً، فلا يوجد اسمه ضمن خريجي الأزهر أواخر الثلاثينيات وبداية الأربعينيات.. من الواضح أنه قد أضفى طابع التدين بنزوعه الصوفي في سلوكه من زهد وتواضع، ولقد كان تأثر الأحرار، وعلى رأسهم الأستاذ النعمان والقاضي عبد الرحمن الإرياني ومحمد محمود الزبيري وعبد السلام صبرة، بالاتجاه الإصلاحي عند جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا، يشكل أرضية مشتركة مع جماعة الإخوان في مصر، وهو مشترك لا يخفي العديد من التباينات بين الأحرار والإخوان.
انتقل الزبيري مع الأستاذ النعمان، عام 1944م، إلى عدن، وعملا مع العديد من المعارضين لنظام الحكم في الشمال، على تأسيس (حزب الأحرار) الذي ضم إلى جوار (أحرار) الشمال، مؤسسين من الجنوب كالجفري ومحمد لقمان صاحب صحيفة (فتاة الجزيرة) التي كان ينشر فيها (الأحرار) مقالاتهم المطالبة بتطوير التعليم والنظام السياسي، وغيرهم.
بعد فشل حركة 1948م، ومرحلة التشرد التي عانى منها الزبيري، يرى الدكتور عبد الكريم قاسم سعيد، في كتابه (الإخوان المسلمون والحركة الأصولية في اليمن)، أن الزبيري في رسائله إلى صديقه الأستاذ النعمان، حمّل الإخوان المسلمين في مصر مسؤولية كبيرة في فشل ما سماه ثورة 18 فبراير 1948م، بل كانوا السبب الرئيسي في فشلها، لأن حركة الإخوان قد ورطتهم بالدفع بهم لقتل الإمام يحيى محمد حميد الدين، و(أن الشعب لم يكن يطيق أية قسوة على الإمام بقول أو عمل، وكان يعتبرها طيشاً، وينفر منها أشد النفور، ولم يكن يرى لها في حياته مبرراً).
إن مفهوم الزبيري للعدالة الاجتماعية لا يختلف عن مفهوم (الاشتراكية العربية) عند القوميين، مما يجعله أقرب لهم في مفهومه لحكم الشعب، وانضمام الديمقراطية إلى العدالة الاجتماعية، كما في قوله عن أن الديمقراطية النزيهة والسليمة في عهد ثوري نظيف (ستتيح للأكثرية أن تختار الاشتراكية نظاماً يجعل العدالة والحرية والمساواة والوحدة القومية حقيقة واقعة لا كلاماً ضائعاً في الهواء). وموقف سيد قطب - كما يرى الدكتور عبد الكريم قاسم - من الزبيري، كان قاسياً، لأنه تعاون - بحسب قطب - مع جهات مصادمة للفكرة الإسلامية، وتعاون مع جمال عبد الناصر.
ربما كان قطب يقصد بذلك انتقال الزبيري إلى مصر، وتعاونه مع المخابرات المصرية من خلال التنسيق مع فتحي الديب المسؤول عن حركات التحرر في ليبيا والجزائر واليمن، وكذلك خطبه السياسية التي كان يلقيها في (صوت العرب) ضمن نشاط (الاتحاد اليمني) الذي عاود نشاطه في مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952م.
إن اطلاعاً في عناوين الكتب التي اقتناها الزبيري خلال الفترة 62-65م، والموجودة في مركز الدراسات والبحوث اليمني، سيجدها لا تحتوي على أدبيات الإخوان المسلمين، وإنما سيجد كتباً مثل (اللامنتمي) لكولن ولسون، وكتاب (الثورة الفرنسية)، وكتاب (الأم) لمكسيم غوركي، و(موجز تاريخ الاشتراكية) لـ(نورمان ماكنزي)، و(مجتمع بلاطبقات) لـ(فريديريك مارتن شيرن)، وكتاب (أيام النضال) لعدنان الراوي، ودستور الجمهورية العربية المتحدة، و(المنطق) لجون ديوي، و(الناس في بلادي) لصلاح عبد الصبور، و(بزوغ العقل البشري) لـ(نورمان بريل)، و(تأملات في ثورات العصر) لـ(هارولد لاسكي)، وغيرها من الكتب التي يرى الإخوان المسلمون وقتها بأنها كتب علمانية واشتراكية حرصوا على تحصين كوادرهم بالابتعاد عنها...

أترك تعليقاً

التعليقات