عقيق
 

مهدي علواني المشولي

 لا تحكي معظم المدن كل تاريخها.. ولا تبوح بأسرار ماضيها كل الحضارت. هناك حكايات وأحداث تتعمد المدن الشهيرة أن تخفي وقائعها وتفاصلها، وأخرى لمدن مغمورة طويت دون أن نعرف شيئاً عنها، وحكايات وأحداث آنية مازالت تجري فيها، ولكننا حتى اللحظة لم ندر بها بعد، وقد تكفل الزمان بطي صفحات ماضيها، وسيأتي زمن آخر يفعل ذلك بحاضر أحداثها.
وكذلك هي الحضارات تفعل معنا نفس الأمر، حين تكتم عنا أسرار ماضي وجودها، ولم تستطع تقنيات علوم عصرنا الحديثة أن نكشف غموض شيفرته الحضارية حتى الآن.
أسرار المدن وغموض الحضارات ليس بعيداً عن الفعل السياسي المتشح برداء الاستعباد والهيمنة التي مارسها الحاكم طيلة الفترات والمراحل البشرية على جغرافية حكمه، وعكس كل توجساته وأسرار سلطته وهيمنته، بل وخوفه في أكثر الأحيان، على هندسة معمار عواصم ومدن حكمه التي مازالت بقايا ومعالم حضاراتها ومدنها تشي بهذا الخوف وذاك التوجس، وما تخفيه تحت ركام عهودها أو تعكسه زخارف أحجارها أو متاهات أبوابها هذه المدن أو تلك المعالم، والتي مازال الحاكم يعمرها ويحصن سر حكمه وغموض تاريخه بأسرارها وغموضها حتى هذه اللحظة، والذي حتماً سيؤول تحت ركام هذه المدن، أو سيبقى بين زواياها، دون أن تبوح بسر حاكم هذه الأرض وظل إلهها.
قصور قياصرة الروس والروم يشي صمتها بذلك، ومعالم جبال الأنديز وأهرامات آل فرعون ومعابد سبأ والخرونق والسديري، وكل بقايا حضارات الرق والاستعباد والهيمنة، قبور وركام وأحجار صامتة تخفي بين ثناياها أسرار حكامها ورعبهم وغموضهم وخوفهم.
وغداً كذلك تفعل قصور الشاة والبعير والبيت الأحمر والأبيض وقباب الكرملين وواشنطن، وستخفي جدرانها حقيقة مآسي الشعوب.. لكننا الآن نكشف لأجيالنا حقيقة ذلك، وقبح أقبيتها.. وغداً ستحكي لهم مدننا أسرارها.

أترك تعليقاً

التعليقات