عدلي عبد القوي العبسي

الديموقراطية الأميركية باتت موضوع الجدل المحتدم الدائر هذه الأيام في أوساط النخب السياسية والثقافية وكل الناشطين الحقوقيين والنقابيين وغيرهم، وقطاعات من الشعب الأميركي.
 مواجهة سياسية جديدة ربما تكون أكثر حدة تندلع بين فرقاء الحياة السياسية الأميركية، وهذه المواجهة سينخرط فيها بشكل أو بآخر مؤيدو حزب الشاي وكل التكوينات القريبة منه، وحزب القهوة وكل المكونات المؤيدة له. 
في مبادرة شعبية أخرى يزمع نشطاء مقربون من الحزب الديموقراطي (على الأرجح) تنظيم مسيرات ومظاهرات انطلاقاً من فيلادلفيا، مقرر لها أمس الثاني من أبريل، والتحرك في مسيرة صوب واشنطن، والتجمع أمام مبنى الكونجرس الأميركي، احتجاجاً على الانحراف والخلل العميق الذي تعاني منه الديموقراطية الأميركية، باعتبارها ديموقراطية ناقصة وديموقراطية للأثرياء فقط، لا تعطي أي اهتمام أو تمثيل حقيقي للطبقات الشعبية، ولا تصغِ للمطالب الشعبية في حياة أفضل ومشاركة أوسع، ومعالجة ملفات هامة تمس مصالح المواطن الأميركي. . لا شك أن سيطرة حزب الشاي وعتاولة الحزب الجمهوري، وسيطرة الشركات واللوبيات النفطية والعسكرية، وكل المحاولات التي ترمي الى إسكات مطالب الإصلاح السياسي والحقوقي والاقتصادي، التي نادت بها حركة (وول ستريت) قبل أعوام، ومؤيدو حزب القهوة، وأخيراً مؤيدو باراك أوباما في برامجه المفيدة كالتأمين الصحي، ومؤيدو بيرني ساندرز الديموقراطي الاشتراكي الذي سلط الضوء على أفضلية النموذج السويدي ومساوئ النموذج الأميركي..
هذه السيطرة باتت مسألة لا تطاق وغير مقبولة من قبل قطاعات شعبية متزايدة، في مؤشر واضح على بدء العد التنازلي طويل الأمد لسقوط نظام جيفرسون والجيفرسونية كحقبة امتدت على قرنين ونيف. 
فشل ساندرز الانتخابي أدى الى خيبة أمل واسعة النطاق، ووضع في الصدارة السؤال التالي: ألا يستحق الأميركيون نظاماً أفضل، أسوة (ولو على الأقل) بدول الشمال الأوروبي؟!
لكن وقحي السياسة الأميركية المحافظين واليمينيين المتطرفين، يردون باستهزاء: أميركا ليست السويد, أميركا ليست الدنمارك!
 وفشل ساندرز أيضاً يعكس الذهنية السائدة والمزاج السائد في أوساط المعسكر الديموقراطي، ويعكس أيضاً الخشية من تحركات اليمين المتطرف واليمين الذي يمثله الحزب الجمهوري. 
في أميركا ـ كما نعلم ـ لا توجد في لوحة الطيف السياسي أحزاب يمين ويسار، بل كلها أحزاب يمين! هي ديموقراطية ناقصة حتى بمفهومها الليبرالي! هي كذبة كبيرة! ونكتة سمجة!
 البرامج السياسية متفاوتة فقط بشكل بسيط، وهي عموماً متقاربة، وتتأرجح بين الليبرالية الاجتماعية والمتوحشة، وتمثيلها الشعبي يمتد من الطبقة البورجوازية الكبيرة الى بعض شرائح الطبقة الوسطى، ولا وجود لتمثيل سياسي شعبي حقيقي لمصالح طبقة البروليتاريا ذات الوزن العددي الشعبي الهائل! في هذا البلد الضخم، وهي أقوى بروليتاريا في العالم، لكنها واقعة تحت السيطرة البورجوازية بتلك المنظومة الناعمة للهيمنة، خاصة الأيديولوجية، وبحكم مقدار الرفاه الاجتماعي النسبي الموجود المؤسس على النهب الامبريالي لثروات الشعوب. . ديمقراطيتهم شاخت، وحان أوان تجديدها, نعم, ولكن ليس على هذه الشاكلة الإصلاحية الخجولة التي يعتزم منظمو حملة (ربيع الديموقراطية) تنفيذها هذه الأيام، هذا إذا نجحوا ولم يجابهوا بقمع بوليسي وأمني وإعلامي سريع وفعال، كما عودتنا أجهزة الإدارة الأميركية والمؤسسات الضخمة الواقعة تحت سيطرة لوبيات الرأسمال، وخصوصاً الوسائل الإعلامية الجبارة.
 أما لماذا اختيرت مدينة فلاديلفيا مدينة الحب الأخوي، لتكون منطلق الفعاليات الجديدة، ربما لدورها الرمزي التاريخي الشهير إبان الثورة الأميركية في ستينيات القرن الثامن عشر، عندما قرعوا جرس الحرية لقراءة إعلان الاستقلال. . وها هم الآن ربما يقرعون جرساً جديداً للحرية لتوجيه نداء الى جماهير الشعب الأميركي للاستيقاظ والانتباه، والتذكير بأن الديموقراطية الأميركية فقدت جاذبيتها (المزعومة)، وأنه آن الأوان لتذكير الناخبين بمهازل هذه الديموقراطية، لكي لا يصدقوا أكاذيب ووعوداً زائفة لا يتورع مرشحو البيت الأبيض التافهون عن إطلاقها بين الحين والآخر في جولاتهم الاستعراضية ومناظراتهم الهزلية. 
وملفات إدانة الديموقراطية الأميركية والإخفاقات والفشل الذريع كثيرة، وتزداد يوماً بعد يوم، آخرها العنصرية تجاه السود، والتنصت، وملاحقة المهاجرين، والمجازر والحروب الوحشية التي يخوضونها ضد الشعوب الفقيرة الطامحة الى الانعتاق، والحديث عنها يحتاج الى مجلد ضخم، وهو حديث لا ينتهي.

أترك تعليقاً

التعليقات