محمد ناجي أحمد

كل ثرثرة عن الجغرافيا والدين - مدحاً أو قدحاً - بديلاً عن الإنسان، هي تجريف وتحريف لقضيتنا الوطنية والاجتماعية... في وعي القبيلة السياسية والإسلام السياسي، يحال الإنسان في تعريفه ليصبح مضافاً، والمكان مضافاً إليه، فيقولون في مذكراتهم (صاحب تعز) بدلاً من الحديث عن سعيد إبليس ودوره على سبيل المثال..
لا يعَرّف الإنسان بذاته المنتجة، وإنما بكونه نكرة لا تُرى إلاّ بإضافته إلى (جغرافيات مَعنِيّة)، في دلالة تلاشي المواطن المنتج، ونظرتهم إليه كشيء تابع لـ(الأطراف المعنية) والجغرافيات الضيقة والطائفيات المهيمنة!
قبل أن تنشأ يوغوسلافيا كدولة لكل التعدديات الصربية والكرواتية والكاثوليك والأرثوذكس والمسلمين واليهود، كان الصراع اجتماعياً، وليس عرقياً أو مذهبياً. كبار ملاك الأراضي في البوسنة والهرسك كانوا من المسلمين، والفلاحون الذين يعملون بالأرض كأقنان كانوا من الكاثوليك، ولهذا فكل الانتفاضات الفلاحية كان دافعها اجتماعياً، وحين قامت يوغسلافيا بقيادة تيتو بإصلاحاتها الزراعية، والملكيات الجماعية، وملكت الفلاحين الأرض، خطت خطوات فعلية في معالجة جوهر الصراع.. بعد ذلك تم تزييف الصراع في التاريخ والجغرافيا، وتحريفه باتجاه مزيف على أنه صراع عرقي وطائفي، ونتج عن ذلك تحول الدويلات إلى قوميات، مع رخاوة الدولة بعد وفاة تيتو، الذي كان خطؤه الجوهري هو عدم التفكير بمستقبل يوغسلافيا بعده!
يُراد لليمن أن تكون دولة بالمعنى المجازي، أي ليست أكثر من توازن قوى النهب والاستغلال، وحين يأتي من يحرف الصراع ليجعله بين مطلع ومنزل، وزيدي وشافعي، وشمالي وجنوبي، فإنما يريد أن يؤكد المراد، ويشرعن لدويلات الأقاليم من خلال الهروب من مطالب الناس الثورية، والمتعلقة بالحرية والعدالة ورغيف الخبز ووطن واحد وأخوّة واحدة...
فوسط هذا الكم من العزف على وتر الجغرافيات والمذهبيات، يتسلل الوعي المضمر بتفتيتيته وانقساماته، فهناك (دين للجبالية المهربين للخمور والمصدرين للحروب)، وهناك (دين المخاوية) الذي يلوذ بقبابه البيضاء (الفقراء الجغرافيين)! بحسب منشورات الصحفي نبيل الصوفي.
لم يرَ نبيل قباباً بيضاء وتصوفاً لدى من وصفهم بـ(دين الجبالية)، ولا شاهد الفقراء وهم يفرون من جبل إلى جبل إلى ساحل يعصمهم من الموت جوعاً وخوفاً! لا يُشاهد (نبي) (الصوفي) وطناً يتشظى، لكنه يسهم بوعي وجاهزية، فتكرار هذا النسق من التفكير يعني أن المضمر غاية تتلاقى مع العدوان في السير بطريق مضاد للوطنية كخطاب يجيد الرقص على الهويات ما قبل الوطنية!

أترك تعليقاً

التعليقات