قمة المحنطين
 

طاهر علوان

ابتليت الأمة العربية، في غفلة من الزمن، وفي ظروف قاهرة، بتلك الأنظمة الفاسدة، والحكام المتخاذلين والمتواطئين، وما انتهى إليه الحكام العرب (الأشاوس) في قمتهم الأخيرة ليس إلا حصاد السياسات المتخاذلة والفاشلة لتلك الأنظمة الحاكمة، والتي أحاطت بالأمة العربية ومقاومتها، وبلا أدنى شك فإن القرارات، والتوصيات، والبيان الختامي كان تحصيل حاصل، ونتيجة حتمية ونهاية هزيلة، وهزلية، وهرولة نحو أحضان العدو والتطبيع معه.
البيان الختامي لا يخرج في حقيقته عن جوهر كافة المشروعات الاستسلامية التي روجت لها الدوائر الصهيونية المطبوعة بالأهداف والبصمة والسياسات الأمريكية، واستجابة لما هو مطلوب منها من قبل الدوائر المعادية للأمة العربية والإسلامية. تلك الأنظمة المتعفنة، وحكام العجز والانحطاط من تسبب بكل تلك المآسي من تبعية، وتخلف، واستبداد، وتجزئة، وكوارث، وانتكاسات، وحروب عبثية عقيمة استنزفت طاقات الأمة العربية، وانتهكت المحرمات المقدسة، وشردت الفلسطينيين، وقتلت الشعب السوري والعراقي واليمني.
من يقود الأمة العربية إلى بيت الطاعة الأمريكي، من يؤيد الحصار، والإبادة الجماعية، وقتل وسفك دماء اليمنيين، من يهون عليه دم أخيه واستباحته، يهون عليه أي شيء وكل شيء. من يمد يد السلام والمحبة للعدو، ويبحث عن شريك، إنما هم (مطايا) لا شركاء.
إعلان البيان الختامي البائس في ظل سبات القادة (الأشاوس)، ونومهم العميق، دليل على أن حضورهم كان مجرد ديكور ودعاية سياسية سمجة وسخيفة ومعادية للحقيقة والعقل الإنساني، بيان من قمة عربية إسلامية يدعو إلى خلق أجواء معادية للإسلام والعروبة، ويخدم مصالح العدو وسياسته في تصفية الروح الوطنية والقومية والإسلامية، وإشاعة العدمية والخنوع، والقضاء على إرادة الصمود، ومحاولة خنق وتصفية محور المقاومة، ويؤيد استباحة الدم اليمني، وتفريغ الإنسان العربي من المضامين والقيم الإنسانية، واستلاب حريته وكرامته، واستخدام شتى الوسائل لتمزيق الأمة العربية وتزييف وعيها القومي والسياسي، إنما هو بيان تعيس يعبر عن انحطاط وإفلاس وانهزام نظم حاكمة منهارة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وتدحرج مرحلة قاسية ومؤلمة وأنظمة ظالمة ومظلمة في تاريخ الأمة العربية، وقرب سقوطها. وجود تلك الأنظمة كان بالنسبة للاستعمار والاحتلال مقدمة ضرورية للتصفية النهائية للأمة العربية وقضاياها، والسبيل لتمهيد الطريق أمام تمرير صيغة الشرق الأوسط الجديد بديلاً عن الجامعة العربية التي فقدت مبرر وجودها واستمرارها، وأصبحت بفضل هؤلاء الحكام غطاء لكل المشاريع والمخططات الأمريكية – الإسرائيلية، ومجرد كيان عاجز يهيمن عليه كلياً مركز قرار يتمثل بالكيان الصهيوني – السعودي، حسب ترتيبات الخطة والأهداف الأمريكية لجعل مشروع (الشرق الأوسط) ضرورة اقتصادية واجتماعية وسياسية لا مفر منها، وإلغاء ما تبقى من الروابط العربية وتذويبها في نظام شرق أوسطي، المنظومة التي ستتحول إلى هوية إقليمية بديلة عن الجامعة العربية والتحالفات الاقتصادية والسياسية الأخرى، ويؤكد هدف الإلغاء إقامة سوق مشتركة يروج لها أنور عشقي، ممثل خادم الحرمين الشريفين، ليل نهار، وإسرائيل المرشح الأقوى لإدارة المشروع، ومركز قراره تل أبيب، ويترتب على الأمة العربية الذوبان الكلي داخل النظام الأوسطي، ولن تدخله الدول العربية موحدة الأهداف والمصالح، بل كيانات منفردة يسهل ابتلاعها واستيعابها واقتلاعها من انتمائها القومي والتاريخي، نظام الشرق الأوسط يوفر كل أسباب القوة والهيمنة للكيان الصهيوني لإفشال أي مشروع نهضوي عربي يندرج في مفهوم كيان واحد لهذه الأمة.

أترك تعليقاً

التعليقات