محمد ناجي أحمد

يزعم بعض اليساريين بانتهازية جلية أن ما يسمى (ميثاق العمل الدعوي بين علماء ودعاة اليمن) الذي عقد في السعودية بهدف (رفض التقارب مع الفكر الرافضي) وتكفير (الصوفية)، والقول بأن الدعوة إلى فصل الدولة عن الدين (ضلال وكفر)، وأن الحقيقة والشريعة صنوان وفق فهمهم وتوجيههم وتأويلهم كعلماء يحتكرون التأويل ويتحدثون كممثلين للتنزيل، وإن توهم البعض معارضة العقل للنقل، فيتم العمل بالنقل - يزعم هذا البعض مغازلة لوهابية آل سعود وللإخوان المسلمين، أن ابن تيمية كان متقدماً على هذا الميثاق، لأنه قال بتقديم العقل على النقل إذا حدث التعارض! والحقيقة أن مؤلفات تقي الدين بن تيمية الحراني، مبنية على السماع والنقل، لا على القياس والعقل، ولم يحدث أن قدم العقل على النقل في فتاواه أو مجادلاته مع (النصارى) والفرق الكلامية والصوفية، وآراء الفلاسفة، وإن استخدم المنطق بكثرة فهو يستعين به ليؤكد مسلماته في ما يحكم بتهافته كالبرهان وبدع الفرق وضلال الصوفية والنصارى...
لقد صيغ هذا الميثاق بما يشبه البيانات والتوصيات التي كانت تنبثق عن المؤتمرات الإسلامية التي رعتها السعودية في الخمسينيات والستينيات، لوصم القومية واليسار بالكفر، وكان الإخوان يومها طوع بنانها، وها هي اليوم تستخدمهم لافتات في مشروعها بالوكالة عن الغرب ضد إيران، وضرب التحولات الاجتماعية والسياسية باتجاه الصراع ضد (الرافضة)!
وأمام توجهات كهذه لا يجد اليساري الانتهازي سوى القول بلغة تبريرية: إن التجمع اليمني للإصلاح هذا هو تكوينه وتوجهه، فما الغريب والجديد الذي يدفع إلى مهاجمته! في حذلقة واضحة، بل ويغازلهم في مسايرتهم بتبني الوحدة الإسلامية بكل ما يعنيه مصطلح (الوحدة الإسلامية) من خطورة تأسيس الوحدات السياسية على أساس ديني، مما يقتضي تسويغ تاريخ حروب الفرنجة، وإقرار الكيان الصهيوني الذي يستثمر الأساطير الدينية للزعم بوجود قومية يهودية!
ينص (ميثاق العمل الدعوي) على أنه (يرتكز على أصول أهل السنة والجماعة) في تقسيم واضح للأمة على أساس ديني، فهو ميثاق يعزز من توجه التحالف الذي تقوده السعودية في المنطقة ضد (إيران والروافض).. ويدعو (الميثاق) إلى (المواطنة العادلة)، مع أن مفهوم المواطنة يقتضي المساواة، لكنهم اختاروا مفهوم العدل الذي يقتضي من وجهة نظرهم عدم المساواة، والتفاضل بين المرأة والرجل، ويؤكد على التفاضل بين الناس في (الرزق والفضل)، وهو تراتب معنوي في الإيمان ومادي في المعيشة!
ويصف هذا (الميثاق) (الطبقية) و(الحزبية) بأنهما من أنواع العصبيات، مثل الطائفية والسلالية والمناطقية، في موقف نافٍ للصراع الطبقي، فالتعايش مع الفوارق الاجتماعية يجب أن يقابل بالرضا والتسليم...
ومن ذات الأصول التي ينطلق منها ابن تيمية وتلميذه ابن عبد الوهاب وحسن البنا والجماعات الجهادية، فإن (التحذير من الشرك) أصل دعوتهم وأولى الأولويات عندهم، نفى الإسلام دين ودولة، وعقيدة وشريعة وفقاً لما هو معتبر في منهج أهل السنة والجماعة، وتكفير القائل بوحدة الوجود... والذي يحدد المصالح والمفاسد هم العلماء الموقعون على هذا الميثاق، ومن سار على نهجهم. وحيز الاجتهاد في ما هو مسوغ وليس مطلقاً (ورفض التقارب مع الفكر الرافضي لما له من آثار خطيرة على عقيدة الأمة ووحدتها). وإزاء خطاب كهذا بمنطلقاته وأهدافه وأصوله، يصبح القول بأن تجمع الإصلاح هذه هي رؤيته فلِمَ الهلع، تواطؤاً تبريرياً، فالإصلاح بقياداته القبلية والدينية والعسكرية حين كانوا يعتلون منابر (ساحة التغيير) بصنعاء، و(ساحة الحرية) بتعز، و(ساحة العروض) بعدن، كان يتبنى في خطبه وخطابه مفهوم (الدولة المدنية) كمصلح مخاتل لمفهوم (الدولة العلمانية)، (فلا مشاحاة بالمصطلحات) طالما أنها ستؤدي إلى (الحكم الرشيد)، بل ونشطت كوادرهم التي تزعم أنها ليبرالية في الحديث عن (علمانية ثالثة) بما يتناسب مع (خصوصيتنا الإسلامية)!
لم يكتفِ ابن تيمية في الحكم بكفر وضلال الفلاسفة والنصرانية والصوفية، والشيعة، وإعداد الموسوعات والرسائل للنيل منهم، بل إنه شارك في قتل الشيعة والإسماعيلية والدروز والمسيحيين في قرى دمشق وجبيل وجبل عامل وصفد وطرابلس وحمص وحماة وحلب، فهو يرى الشيعة أشر من التتار، بل إنه يرى فساد التتار بسبب مخالطتهم للشيعة، كما هو معروف في رسالته إلى الملك الناصر بخصوص ما سماه (فتوح جبل كسروان)، ويتسق مع هذا الحكم موقف علماء هذا (الميثاق الدعوي) في أن (الروافض) و(إيران) و(حزب الله) أشر من الكيان الصهيوني، لهذا فهم يصيغون المواثيق، للتحريض والنفير ضد (الشيعة)، ويطبعون اقتصادياً وسياسياً ونفسياً مع الكيان الصهيوني! 

أترك تعليقاً

التعليقات