الإمام يحيى ومقتضيات الاستقلال
 

محمد ناجي أحمد

في زمن التفريط بالسيادة والأرض، وتجزيء المجزأ، وإحلال الصراعات المذهبية والجهوية بدلاً عن تحقيق هدف سبتمبر وأكتوبر في إذابة التفاوتات الاجتماعية.. في هذا الزمن الذي أصبحت فيه الجزر اليمنية ذات سيادة خليجية، وعدن ومأرب وحضرموت تدار وفق إرادة التحالف السعودي، وتعز تصبح حقلاً للفوضى واستقطاب الفقراء لمشاريع الموت، يصبح التذكير بمواقف الإمام يحيى وابنه أحمد اللذين مثلا مرحلة زمنية ثرنا ضدها باحثين عن يمن تُذاب فيه الفوارق الاجتماعية، وتنجز الوحدة اليمنية في طريق الوحدة العربية، يصبح التذكير ناقوساً نواجه به زمن الارتهان للغرب.
لقد واجه الإمام يحيى محاولات الغرب للتدخل في اليمن، بأن قام بعقد اتفاقية (الود والصداقة والتجارة الخارجية) مع حكومة جمهوريات الاتحاد السوفيتي، عام 1928م، وقد كانت حينها أول اتفاقية يعقدها الاتحاد السوفيتي مع دولة عربية، وهو ذات الشيء الذي سار على نهجه الإمام أحمد حين وجد الأحلاف الغربية تعود إلى المنطقة من حلف بغداد ومبدأ إيزنهاور، فقام بتجديد اتفاقية الصداقة مع الاتحاد الشوفيتي، عام 1955م، واتفاقية تجارية في 8 مارس 1956م، يعمل بموجبها الاتحاد السوفيتي على إقامة مصانع كاملة، وتزويدها بما يلزم من المساعدات الفنية، وتوقيع اتفاقية أخرى مع الصين الشعبية، في 13 يناير 1958م، أعربت الصين خلالها عن تقديم 70 مليون فرنك سويسري لحكومة صنعاء، وشق الطرق، واتفاقية تجارية عقدت مع ألمانيا الديمقراطية، في 30 يونيو 1956م، التزمت فيها ألمانيا بإقامة 3 مصانع لإنتاج الإسمنت والبلاستيك والزجاج، على أن تدفع حكومة صنعاء ثمن هذه المصانع من محصولاتها الزراعية.
وقد كانت (القاهرة) راعية لبعض هذه الاتفاقيات، وقد تكلل هذا النهج بدخول صنعاء في اتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة، في 8 مارس 1958م، ووضع ميثاق إنشاء اتحاد للدول العربية الذي كان رداً على قيام بريطانيا بإنشاء الاتحاد الفيدرالي في عدن، مما يعدُّ خرقاً لاتفاقية الهدنة التي وقعتها مع الإمام يحيى حميد الدين، عام 1934م، والتي تقتضي بقاء الوضع السياسي والحدود كما هي دون تغيير خلال 40 سنة من تاريخ توقيع الاتفاقية، إضافة إلى اتفاقية كان الإمام أحمد قد عقدها مع الإنجليز، عام 1954م، لكن إعلان إنشاء الاتحاد مثل خرقاً وتراجعاً عما التزمت به بريطانيا في هذه الاتفاقيات.
لقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية تغيير النظام السياسي في اليمن لصالحها، عن طريق بعض أفراد الأسرة الحاكمة، كسيف الإسلام عبد الله، في انقلاب 1955م، وعن طريق سيف الإسلام الحسن، بعد أن شعرت أن ولي العهد محمد البدر ضد العروض الأمريكية التي طرحتها للإمام أحمد عن طريق وزير الاقتصاد عبد الرحمن أبو طالب، وعن طريق وزير الخارجية (حسن إبراهيم)، بخصوص السماح بإقامة قاعدة عسكرية في منطقة (الجند) بلواء تعز، مقابل (50 مليون دولار)، وإقامة محطة إذاعة لصوت أمريكا في (قاع الحقل) في منطقة يريم. وكانت (النقطة الرابعة) بتعز وكراً أمريكياً للتخطيط لقلب النظام لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، لكن تنظيم الضباط الأحرار والدور المصري في دعم ثورة 26 سبتمبر 1962م، أفشلا مخططاتها، لتعود إلينا بعد عقود من الثورة والوحدة عن طريق كياناتها الوظيفية في المنطقة، لتنفذ مشاريعها بتوحش لامثيل له، وبادعاءات ثورية وبيادق تُلبس الباطل لبوس الحق، وتمعن في خديعة الناس وغسل أدمغتهم بوسائط المعلومات والفضائيات.

أترك تعليقاً

التعليقات