بيان المليونية المزور
 

عبد الحافظ معجب

(تمخض الجبل فأنجب فأراً)؛ هذا أقل ما يمكن أن توصف به مخرجات المليونية الشعبية للحراك الجنوبي بالحبيبة عدن، التي كان يعول عليها الشعب وحراكه الشيء الكثير.
دعوة القيادات الحراكية الموالية للإمارات بالخروج إلى الساحة للتظاهر، كانت بمثابة رئة جديدة لأهالينا بالجنوب للاستنشاق والتنفس بعد الكتم والكبت الذي عاشوه ويعيشونه منذ بداية العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على اليمن.
خرج الشعب واحتشد من مختلف محافظات الجنوب لاعتقاده أن هذه التظاهرة ستكون ضد الدنبوع ودول الاحتلال الذين عبثوا بالجنوب ومقدراته وثرواته، وعلى مدى أسبوع وأكثر من التحضيرات، خرجت عشرات المسيرات في عدن وشبوة ومناطق جنوبية أخرى، وهتفت ضد شرعية الفنادق ورئيس جمهورية الفندق، وبدأت بالتعبير عما وصلت إليه الحالة في الجنوب من انفلات أمني وفوضى وإرهاب بسبب الجماعات التكفيرية التي ورَّدها العدوان إلى الجنوب.
حتى على مستوى الجبهات، عاد الكثير من شباب الحراك الجنوبي المغرر بهم من جبهات المخا وباب المندب ونجران إلى عدن، للجهاد في سبيل القضية المركزية التي همشها العدوان، بل وأفرغها من مضمونها، وأرسل شبابها لجبهات الموت، وأسهم باغتيال كوادرها بالدراجات النارية وكاتمات الصوت.
احتشد الشعب واحتزم بهمته العالية مستحضراً هتافات القهر والمعاناة وأغاني عبود خواجة في مليونيات القضية التي استمرت إلى ما قبل العدوان السعودي والاحتلال الإماراتي، وكان سقف الكثير من المشاركين في هذا الحشد هو طرد الاحتلال وتطهير الجنوب من القوات الغازية الإماراتية والسودانية والسنغالية والداعشية، والتخلص من إرهاب الإخوان الإصلاحيين وجرائم القاعدة والوهابية التكفيرية التي حولت حياة أبناء الجنوب إلى جحيم.
ولكن للأسف تم التآمر عشية المليونية، حيث كتب البيان الختامي للفعالية بأيدٍ إماراتية وإشراف سعودي، لسلب إرادة الشعب في التحرر من الاحتلال وإعلان البراءة من حكومة الفندق التي لم تجلب للجنوب إلا المصائب.
البيان حوَّل وصوَّر الإرادة الشعبية إلى صراعات شخصية ليقول للعالم إن هذا الشعب يعيش في نعيم وخير و(مابوش) معه أية مشكلة غير القرارات الرئاسية الأخيرة التي أطاحت بعيدروس الزبيدي الذي كان يوزع الحليب لأطفال عدن للبيوت، وأعاد لهم الكهرباء في ظرف يومين، وطهر عدن من الإرهاب، وعمل مكيفات بالشوارع، وشخصياً يقوم بتفقد الأيتام والأرامل إلى بيوتهم كل ليلة، وتكفل بعلاج جرحى الجنوب في أحدث المستشفيات الأوروبية، وبعهده تحولت عدن إلى باريس.
في الساحة هتفت الجماهير بأن الشرعية للشعب، وليست للدنبوع، ولكن البيان المزور استخدم عبارات مطاطة أعادت إلى أذهان الجنوبيين شعارات الإصلاح التي كان يزايد بها بعد انطلاق الحراك في محافظات الجنوب.
والكارثة الكبيرة كانت بمنح البيان تفويضاً للمحافظ السابق عيدروس الزبيدي (حاكم الإمارات بعدن) لتشكيل مجلس سياسي جنوبي، ليس كما يريد شعب الجنوب، ولكن كما يريد المحتل الإماراتي الذي يمهد بالشراكة مع بقية دول العدوان لفصل جنوب اليمن عن شماله للاستفراد به واستغلاله اقتصادياً وسياسياً.
السخط الشعبي ضد تحالف العدوان في المحافظات الجنوبية كبير جداً، وليس جديداً، وهو حالة من التراكم للسلبيات التي تُرتكب بحق الجنوب، وبدأت مكونات الحراك منذ بداية العام الحالي بالتحرك لعقد لقاءات تشاورية لتدارس الوضع، وكان أبرز هذه التحركات المؤتمر الأول للمجلس الأعلى للحراك الثوري بمحافظة لحج، الذي خرج ببيان أكد فيه أن الحرب التي يشنها تحالف العدوان على اليمن انعكست سلباً على القضية الجنوبية، وأن شباب الحراك يتم الزج بهم في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، واتهم المجلس الحراكي الدنبوع بتقسيم الجنوب بطريقة مناطقية، وتغييب القضية الجنوبية بشكل متعمد ومقصود.
بيان الحراك في لحج الذي صاغته أيادٍ جنوبية، وليست أقلام ممولة إماراتياً أو سعودياً، تحدث عن المعاناة التي يعيشها المواطنون، وتردي الأوضاع المعيشية، وانعدام الخدمات، وانتشار العصابات الإجرامية والجماعات الإرهابية، وإبقاء أبناء المحافظات الجنوبية تحت رحمة المعونات الأجنبية رغم قلتها، وحرمان الشعب من الاستفادة من خيرات الأرض، وخصوصاً النفطية، وإدخالها في دائرة صراعات النفوذ.
سيستمر الحراك بالتحرك لتكتمل القناعة لدى العالم أن هادي وعصابته غير مرغوب بهم في الشمال ولا في الجنوب، وسيصحو من لا يزال من أبناء الجنوب يقاتل في صفوف العدوان من سكرته، ليعود الجميع إلى عدن لطرد الغازي المحتل.

أترك تعليقاً

التعليقات