محمد ناجي أحمد

لم يكن ما نشره محمد عبدالله اليدومي، رئيس التجمع اليمني للإصلاح، في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، حين صرح في بيان له بأن تجمع الإصلاح حزب وطني ولا يرتبط بجماعة الإخوان المسلمين ولا بتنظيمهم الدولي بصلة.. لم يكن ذلك التصريح خطوة استباقية وحمائية لتنظيمه، ولم يكن استجابة لنصائح مموليه ومحركيه الخليجيين فحسب، حتى ينجو بنفسه من التصنيف ضمن طائلة قوانين مكافحة الإرهاب التي سنتها لهم الولايات المتحدة الأمريكية، بل كانت خطوة ضرورية باتجاه الدور القادم لتجمع الإصلاح في المنطقة، أي الدخول إلى مرحلة التمكين الصهيوني، ودور إخوان اليمن في تطويع وتطبيع الناس لهذا المشروع.
حين تجد توكل كرمان تقول بالصوت العالي بأنها (إصلاحية/ إخوانية)، وفي وقت يفترض أن الغرب ومشيخات الخليج قد (قلبوا ظهر المجن) ـ كما يقول المثل ـ على الإخوان المسلمين، فاعلم أن في الأمر خيانة تتسق ومقتضيات التمكين الصهيوني في المنطقة.
لم يستفتِ النائب البرلماني الإخواني شوقي القاضي جمهوره في (فيسبوك) عن جواز تدريبه للناشطين الحقوقيين الإسرائيليين في ورش تدريب يقيمها بتركيا، عبطاً، وإنما كان يترجم التطبيع بوضع خطوته الأولى نحو المستقبل الصهيوني.
رحم الله الأحنف بن قيس حين قال: (إذا وجدت الشجاع يفر والجبان يكر، فاعلم أن في الأمر خيانة، وعليك برابية)، والرابية هنا للتأمل في المشهد وقراءته، لا للنأي عنه.
لهذا ليس مستغرباً أن تجد (حمدي الفقيه)، وهو أحد كوادر الإخوان الشابة والنشطة، ينشر في صفحته بالفيس خبراً عن استعداد إسرائيل لفتح أبوابها لتشغيل الأيدي العاملة اليمنية!
في هذا السياق يتم حرق دعاة الإخوان السلفيين كعبد الله أحمد علي، والذين كانوا نجوم مرحلة انصرمت، والاستعداد بنجوم للمرحلة القادمة، فلكل زمان رجاله، ولكل مرحلة خطابها وأدواتها.
فليست قصة (ملابس الصغيرات غير المحتشمة، والدافعة الى الرذيلة) التي تناولها وتبناها عبد الله أحمد علي، وهو المحسوب على التيار السلفي الذي يقوده عبد المجيد الزنداني، بعيدة عن هذه التهيئة والانتقال من خيار مضى زمنه للولوج إلى زمن كوادر الإخوان المتجهة نحو تمكين الإسرائيليين، والتطبيع العقدي الثقافي والاقتصادي والسياسي والجغرافي مع الكيان الصهيوني.
ليس مطلوباً حظر التجمع اليمني للإصلاح، وإنما إعادة برمجته لمتطلبات المرحلة القادمة، والتكوين البرغماتي والنفعي لهم يجعلهم جاهزين لكل مرحلة، وللتعامل مع كل غلبة.
لهذا التركيز في الترويض هو لخطاب الإخوان الذي تكوَّن وفقاً لطموحات استعادة الخلافة الإسلامية ومركزية القضية الفلسطينية في خطابهم الدعوي والحركي، والموقف العدائي من اليهود والصهاينة.
لن يتم حظر الإخوان لأن ذلك سيعني إفساح المجال للقوى الاجتماعية اليسارية والقومية، وهؤلاء خطرهم على الغرب والصهيونية وجودي واجتماعي، وليسوا تفاصيل يمكن ترويضها واستخدامها في التمكين للمرحلة القادمة... ليس هناك عدائية في ما نقوله عن الإخوان، وإنما توصيف لخطاب تخديري إذا أزحته سيلتفت الناس لما هو اجتماعي واقتصادي في الصراع.
القوى الاجتماعية التي يقودها الإصلاح في اليمن والإخوان بشكل عام، هم من المستضعفين اجتماعياً، وهذا يعني أنه يقوم بدور تعطيل هذه القوى عن اهتماماتها واحتياجاتها الاجتماعية والاقتصادية. وعدم قيام الإخوان بدور تعطيل وتخدير هذه الشرائح اجتماعياً، يعني أنها ستصبح بمواجهة مباشرة مع تحدياتها دون غيبوبة تجعلها مطمئنة.
بقاء الإخوان المسلمين ضرورة للاستبداد والاستعمار، لما يمثله خطابهم من تفريغ الصراع الاجتماعي من جوهره، وتحويله الى صراع ثقافي مذهبي جهوي طائفي، ولما يقومون به من دور في جعل الناس في حالة رضى (بما قسم).
نعم سقط اليسار، لكن سقوطه تم بالضربة القاضية بمطرقة الداخل والخارج، ولم يسقط لأنه كان مخطئاً في توجهه ورؤيته وخطابه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. نعم سقط اليساريون، لكن الأيديولوجيات لاتموت، تعيش في حالة كمون، فإذا ما وجدت ظروفها عبر التراكم، تستعيد دورها في تحريك الجماهير.
مرة أخرى: المطلوب تطويع وتطبيع الإخوان مع مقتضيات المرحلة، وليس اجتثاثهم!

أترك تعليقاً

التعليقات