شبابة
 

عبده سعيد قاسم

مثَّل تأسيس المؤتمر الشعبي العام في ٢٤ أغسطس ١٩٨٢م، انفراجاً سياسياً بالغ التأثير للأوضاع السياسية المحتقنة آنذاك، فقد جاء بعد 3 أعوام من انقلاب الناصريين في صنعاء، وفي وقت كانت الحرب محتدمة بين الجبهة الوطنية الديمقراطية وقوات الحكومة في شرعب والعدين وريمة ووصاب والمناطق الوسطى، وبعد ذلك بشهرين بدأت لجان الحوار تصل إلى مناطق الصراع، وتم الاتفاق على إيقاف الحرب في تلك المناطق، وعودة مقاتلي الجبهة إلى منازلهم، وانسحاب بعض القوات الحكومية من بعض المواقع، وإطلاق بعض من المعتقلين على ذمة الانتماء للجبهة، وإعادة صدور صحيفة (الأمل) من صنعاء التي كان يصدرها الأستاذ سعيد أحمد الجناحي باسم الجبهة الوطنية، وبدأ الاعتراف الضمني من الحكومة بالجبهة الوطنية كتجمع سياسي معارض، ولو أن جهاز الأمن الوطني الذي كان خاضعاً لسيطرة الجبهة الإسلامية (الإخوان المسلمين) استمر باعتقال بعض قيادات الجبهة وبعض أعضائها رغم أن نشاط الجبهة العسكري بل والسياسي كان قد توقف تماماً بعد ذلك الحوار لأسباب مرتبطة بالصراع بين أجنحة الحزب الاشتراكي في الجنوب، وتسيد جناح الرئيس علي ناصر محمد على كامل المشهد، وتراجع نفوذ صالح مصلح وعلي عنتر اللذين كانا يمثلان محور الدعم الرئيسي للجبهة.
واستمرت الأوضاع السياسية بعد تأسيس المؤتمر أكثر ملاءمة للتعايش والقبول بالآخر، ولو بالحدود الدنيا، رغم ما كان يتخلل ذلك من خروقات واعتقالات هنا وهناك.
صحيح أن الإخوان المسلمين تمكنوا من تسخير المؤتمر لدعم أنشطتهم السياسية، ويتوارون خلف يافطته، بل إن بعض القيادات التي تولت تسيير نشاطه في كثير من المناطق كانت قيادات إخوانية، ولم تغادر تلك القيادات المؤتمر إلا بعد إعلان الوحدة التي أعلنت التعددية السياسية، وأعيدت صياغة البنية التنظيمية والسياسية للمؤتمر باستقلالية تامة، وعلى أسس وطنية محضة، ولكنه - أي المؤتمر - ظل محل أطماع الإخوان، وتسللوا إليه ثانية في محطات كثيرة، وظلت تلك القيادات الإخوانية تمارس صراعاتها مع الآخر، بل ومع كثير من القيادات والأشخاص المؤتمريين من ذوي التوجه اليساري من داخل المؤتمر ذاته، فمن المعروف أن مجاميع كبيرة وقيادات غادرت أحزابها من الناصريين والاشتراكيين والمكونات الأخرى، واتجهت إلى المؤتمر، بعد أن شعرت أنها تستطيع أن تعبر عن ذاتها عبر المؤتمر بحرية وبلا قيود أيديولوجية وتنظيمية صارمة، خاصة بعد حرب ٩٤ الكارثية، وظل أولئك يتعرضون لابتزاز ومضايقة عناصر الإخوان الذين استمروا يزاولون عداوتهم مع الآخر من داخل المؤتمر، ولم يغادروه إلا في 2011م، بعد أن شكلوا مساحات معتمة في بنية المؤتمر، ومن هذه المساحات السوداء تعرض المؤتمر ورئيسه لضربات بالغة في ظرف حرج ومعقد عندما أعلنت تلك القيادات انشقاقها عنه وانضمامها لما سمي ثورة الشباب، وكانت أكثر عدائية وأشد فجوراً بالخصومة مع المؤتمر ورئيسه. 
إننا في الذكرى الـ35 لتأسيس المؤتمر نرى أنه بحاجة لإعادة صياغة بنيته التنظيمية والفكرية، فقد تبدلت الظروف وتغيرت، وذهب القديم وجد الجديد، فالأحزاب تشيخ وتصاب بالهرم والعجز إذا لم تواكب المستجدات وتجدد بنيانها ودماءها، فهذا الترهل التنظيمي الذي يعيشه المؤتمر لا يليق بحزب تعلق الجماهير عليه آمالها، وتتعشم فيه النهوض بمطامحها.

أترك تعليقاً

التعليقات