طاهر علوان

بالأمس القريب كان طغاة مستبدون يتحكمون في رقاب الملايين من البشر في الوطن العربي والإسلامي، أنظمة قهرية ظالمة تجثم على صدور الملايين، مدججة بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة والمتطورة، والتي كانت تشكل كابوساً مرعباً يهدد أمتنا العربية والإسلامية، ففي لحظة تاريخية حاسمة لم تستطع تلك الأنظمة الديكتاتورية الصمود أمام التغييرات الجارفة التي قادتها الفئات الفقيرة والشعوب المعدمة الباحثون عن العيش الكريم والحرية والعدالة. كثيرون هم الذين شلت عقولهم وعميت أبصارهم، فظنوا أن تغيير الحال من المحال، وأن زمن التحدي قد ولى، ففي فترة قصيرة حقق الشعب اليمني الانتصارات على الأعداء في الداخل والخارج، وكان يمكن أن يتطلب ذلك زمناً طويلاً، وثمناً باهظاً، وتضحيات جسيمة، لو أن أداته كانت تنظيماً فئوياً انقلابياً كما يزعمون، يريد أن يحل محل السلطة الحاكمة، وينعم بما كانت تنعم به من مزايا وأفضليات، إلا أن الثورة ومنذ شروق فجرها الأول أعلنت إيمانها المطلق بسلطة الشعب ووحدته وحقه في تقرير المصير، وأعلنت الحد الفاصل بين الثورة وأعدائها، والموقف من أمريكا وإسرائيل، وامتلاك القرار السياسي وزمام المبادرة في كل مناحي الحياة.  
لقد اتسم النضال الثوري لتحقيق الأهداف العادلة والانتصارات الساحقة، بظروف بالغة التعقيد، وبمعدل سرعة للأحداث غير عادي، فرضته طبيعة الظروف المعاصرة، محلياً - إقليمياً - ودولياً، وتحدياتها العاتية المباشرة وغير المباشرة، ولم ينفسح الوقت للثورة لإجراء تصفيات  جذرية لرواسب وصراعات الماضي، الأمر الذي تولد عنه بالضرورة أوضاع وأشكال مختلفة من الصراعات والتفتيت، وعبر المسيرة الثورية والتجارب انقشع الضباب الكثيف، واستطعنا بإرادتنا الخروج من ظلام المرحلة، والتقدم بخطى فسيحة وواثقة نحو انتزاع الحرية كاملة غير منقوصة، وتحقيق الانتصارات، ومنيت القوى المتحالفة ومرتزقة العدوان بهزائم عسكرية وسياسية مخزية على الأرض اليمنية، وحقق الشعب اليمني في حربه التحررية انتصاراً هائلاً، هذا الانتصار يمثل في الوقت ذاته انتصاراً ودعماً قوياً لمحور المقاومة، وبرهن أيضاً أن أمة صغيرة وفقيرة استطاعت بإيمانها وبعدالة قضيتها وإرادتها الصلبة أن تهزم تحالفاً عربياً ودولياً بإمكانياته الحديثة والمتطورة، وأسهمت الثورة في تشكيل هذا الوجود وتغيير وجهه وقوامه لمصلحة الإنسان وحقوقه المشروعة في إسقاط جبروت آلة العدوان. 
لاشك أن هذا الانتصار أعطى دفعة قوية ومعنوية لمحور المقاومة في العراق وفلسطين وسوريا ولبنان، لتشديد ضرباتها ضد القوات الظلامية، وتحقيق الانتصارات، انتصرت المقاومة والجيش العراقي، وتم تحرير الموصل بالكامل من هذه القوى، وانتصرت المقاومة اللبنانية في جرود عرسال، وحررتها بفترة زمنية قياسية من إرهاب متمكن ومدعوم دولياً، ويعتبر انتصار الشعب الفلسطيني الرافض للوجود والقيود الإسرائيلية والتحكم بالمداخل الرئيسية للمسجد الأقصى، انتصاراً للأمة العربية والإسلامية.. وتستمر تلك الموجة الكاسحة من الانتصارات والخروج من ذراعي أمريكا الضخمتين والمتهيئة لابتلاع الوطن العربي بثرواته ومواقعه الاستراتيجية.
لقد برهنت الانتصارات السريعة والمتلاحقة أن المقاومة الوطنية الشريفة قادرة على الصمود والتحدي والتحرر من برابرة العصر، وأن طريق العدوان مفروش بالفرقة والانقسام والتفكك، ومآله السقوط كلما اقتربت المعركة من ساعة الحياة أو الموت.

أترك تعليقاً

التعليقات