14 أكتوبر والوحدة اليمنية
 

طاهر علوان

أولت ثورة 14 أكتوبر أهمية واهتماماً مدعومة برؤية وطنية تقدمية مرتبطة بمصلحة الإنسان والوطن، وحريصة بكل ما لديها من جهد وفكر ورؤية وطاقة لتحقيق الوحدة بصدق وأمانة، والحفاظ على الذات اليمنية الخالصة والمقتدرة على تجاوز التشطير واستقلالية الوطن والإنسان والكرامة، الوطن هو الأساس، والنتيجة، والغاية التي تصب فيها كل الجهود والاجتهادات، وما عداه يصبح استثناء.
تعتبر الوحدة اليمنية لثورة 14 أكتوبر حقيقة تاريخية وهدفاً استراتيجياً، وإن التشطير مرفوض ومخالف لكل الثوابت الوطنية، وأدبيات وفكر قادة الثورة والنظام الثوري التقدمي، وبرامج الحزب الاشتراكي الحاكم ومؤتمراته وممارساته العملية لبناء دولة يمنية حديثة بكل ما تحمل من أبعاد إنسانية وحضارية متطورة لمصلحة الوطن والمواطن، باعتبار الوحدة اليمنية قدر ومصير الشعب اليمني وكل فئات المجتمع، وليس لمصلحة فئة اجتماعية معينة تستأثر بخيرات ومقدرات الوطن، وتختصر الوطن في ذاتها وشعارها (الفيد أو الموت)، مما أحدث شرخاً كبيراً في النسيج والبنية الوطنية. 
ثورة 14 أكتوبر أسست علاقتها مع الأحزاب والمنظمات والقوى السياسية على أساس المفهوم الحضاري بأن الوطن وخيراته ملك للجميع، ولا بد من تجاوز كل السلبيات ورواسب التشطير المدعومة من قبل القوى الرجعية، وعملاء الاستعمار، والأنظمة العربية المتخلفة حضارياً وإنسانياً. لقد تآمرت تلك القوى على ثورة أكتوبر وأهدافها بتصفية أغلب كوادرها الوطنية الشريفة والمؤهلة علمياً وتقنياً بأحداث 13 يناير 1986م المشؤومة، لأنهم يحملون الهوية الوطنية وأوجاع وأحلام أمة بكاملها، وإنجاز الوحدة بشروطها الموضوعية ومراحلها الوطنية والإنسانية الخالية من الانتكاسات والحروب، والخروج إلى فضاء وطني متسع ورحب يحتوي الجميع، وخالٍ من الوصاية والارتزاق، وبأحداث يناير 1986 وسقوط المشروع الثوري التقدمي الرائع بأهدافه وفكره الإنساني الأممي ونضاله من أجل (جماهير الجياع)، حققت القوى الرجعية أهدافها، ولا زالت تتآمر حتى هذه اللحظة بعدوانها على ثورة 21 أيلول التي تجسد وتطبق عملياً تلك الأهداف والقيم التي حاولت تلك القوى إسقاطها وإفراغها من مضامينها وأبعادها الوطنية.
لابد من المراجعة الشاملة وكتابة التاريخ بضمير نقي، وقول الحقيقة التي تشتمل على مراجعة الذات، ومراجعة مجمل التجربة الوطنية بأمانة وتجرد وموضوعية علمية تتناول كل عناصر التاريخ ومكوناته لتحقق من خلاله مواكبة ما تقتضيه المصلحة والأهداف اليمنية الخالصة. 
نحن في الواقع بحاجة إلى وقفة نتأمل فيها كل ما يحيط بنا ويراد لنا، فما من حركة تصحيحية في مجتمعنا سياسية أو تاريخية وإعادة كتابة التاريخ بأمانة علمية وتجرد مغايرة لوجهة نظر السلطات السابقة وأدواتها القمعية، إلا وتجابه بحملات إرهابية فكرية، تجريح وتمزيق وشتائم ما أنزل الله بها من سلطان، سلوك متخلف غوغائي يعبث هنا وهناك، ويهرب من عجزه وخيبته إلى التعصب والتجريح، ويظن أنه بالتعصب والتجريح سوف يحقق أهدافه وغاياته، تلك الحملات الفكرية وغير الفكرية التي تشن على القوى الوطنية لها علاقة بالتوجه العام للعدوان، وهناك دائماً علاقة مترابطة بقصد أو بغير قصد بالقوى الخارجية، وليست ساذجة أو عفوية تتحرك من دون دراسة أو إدراك، تلك الحملة وخطة الهدم والتمزيق لا تبنى على كلام فحسب، بل تبنى أيضاً بمصالح واحتياجات وقدرات، وعلينا ربط هذه المصالح واستيعابها.
علينا أن ننتقل إلى حالة أفضل بأفكار جديدة ونقلات مبدعة للفكر، ومناخات متجددة لا تتناقض مع ما هو أساسي وحقيقة تاريخية، بعيداً عن المهاترات والتجريح، والتي لا تعبر إلا عن انحطاط وإسفاف وإفلاس الفكر والأخلاق والذوق والسلوك.

أترك تعليقاً

التعليقات