شبابة
 

عبده سعيد قاسم

كلما أزمعت أن أكتب عن الثقافة الشعبية تهرب الكلمات مني، وتحتشد في الذهن ذكريات ومشاهد عشتها في بواكير العمر، ترغمني أن أخرج من نفسي، وأمتطي أحصنة الشجن عائداً بي إلى تلك الأمكنة الكامنة في أقاصي الروح، أنفض عن تفاصيل تلك الحكايات غبار الأزمنة وأتربة النسيان، أستحضر طقوس العشايا التي كنا نؤديها بخشوع في محاريب القرى على سجاجيد محبة وصفاء لا يعكره كدر الخوف من شرور الماديات التي تتربص بحياتنا اليوم بوحشية تختصر أعمارنا وتقذف بنا إلى مهاوي الهلع وجحيم القلق بلا رحمة.
إنني أودّ أن أكتب عن الثقافة الشعبية، عن الأمثال والأغاني التي تواكب المناسبات بعمق فلسفي تلقائي بريء من التكلف والتصنع: (احمل الزاد يحملك)؛ تقال لمن يسافر مسافات بعيدة، وتحثه على أن يحمل معه طعاماً حتى لا يضطر لإراقة ماء وجهه بطلب الطعام من الغير في طريق سفره.
(من تغدى بكذبة ما تعشى بها)؛ ألم يقل إبراهام لنكولن: (قد تستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت أو أن تخدع كل الناس بعض الوقت، لكنك لن تستطع أن تخدع كل الناس كل الوقت).
وذلك هو ما عناه هذا المثل الشعبي البسيط بلغته والعميق بفلسفته.
(العين مكّارةٌ والرِّجْلُ سيارة)؛ هذا مثل يحث على الإقدام وعدم التردد، قد يرى المرء أن الوصول إلى هدف ما محال، ولكن من يسافر في طريق الحلم حتماً سيصل، يقابل هذا المثل بيت شعري قديم أظن أنه للمتنبي:  
إذا كنت ذا أمر فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا
مثل ذلك هذا البيت الغنائي الشعبي:
ذي ما يشاك يا قلب ما تشا به
كف الطلب والعين من جنابه
أي أن لا أحد يتكفف الصداقة والمحبة من أحد.
كما قال الإمام الشافعي
زن من وزنك بما وزنك 
وما وزنك به فزنه 
من جاء إليك فرح إليه
ومن جفاك فصد عنه
حتماً إن الثقافة الشعبية تحتوي مخزوناً هائلاً من الحكمة والفلسفة العميقة البسيطة التلقائية التي أنتجتها تجارب الناس البسطاء وخبرتهم للحياة بشتى مجالاتها ونواحيها ولنا لقاء في العدد القادم..

أترك تعليقاً

التعليقات