السينما.. والثورة (1)
 

طاهر علوان

لابد أن الكثيرين سوف يستغربون تجاه هذا العنوان، ومحاولتنا طرح موضوع السينما في ظل العدوان الظالم، والحصار الخانق، وما يخلفه العدوان البربري من دمار ممنهج وبشكل يومي، ومع ذلك قد أثبتنا أننا نملك المقدرة والتصميم والإرادة على تجاوز الألم واقتحام ساحة الأمل والعمل وإعادة البناء المادي والروحي لبلادنا والإنسان على السواء، ولابد من مواجهة العدوان بكل ما نملك من أسلحة، سلاح الوعي واليقظة، سلاح الكلمة والفن، وسلاح السينما كأداة فنية وسياسية وثقافية واجتماعية لها مردود اقتصادي ضخم، وكطرف سياسي في الصراعات الأيديولوجية، وتحديد الهوية الوطنية والثقافية، ولابد أن تحظى السينما من قبل ثورة المستضعفين بالاهتمام والدعم، وتفعيلها لا من حيث الإنتاج السينمائي فحسب، بل من حيث الوصول إلى صناعة سينمائية يمنية. 
الثورة استمرارية وتحدٍّ، وهي نبض هذا الشعب وآهة آلامه، وصرخة حماسه، وتغييرات جوهرية جذرية في كل جوانب الحياة بدءاً بالسياسة وانتهاءً بالسينما الوطنية التي تعكس صمودنا وكفاحنا، ومسيرتنا نحو تحقيق حياة أكثر عدالة وتحرراً، وأوفر ثراء ورخاء، وأعظم جمالاً وروعة، سينما مرتبطة بمشروعنا الثوري، وأهدافنا الإنسانية السامية، وآمالنا وطموحاتنا وهموم مجتمعنا، سينما تستلهم الجانب المضيء من موروثنا، وتكشف وتعري الجوانب المظلمة في حياتنا، وتعمق آفاق الثقافات الإنسانية بقيمها الحضارية المتطورة، وبوسائل العصر ولغته وتقنياته (الصورة والحركة).
مسيرتنا الثورية تفرض علينا اجتهادات منهجية، وتجاوز الرؤى المغلقة في العلاقة بين الإبداع والسياسة، وعلى ثورة المستضعفين تغيير كل العلاقات الرجعية المتخلفة، علاقات القهر والاستلاب والبؤس الاجتماعي والنهب والتدمير المتعمد والمزدوج من قبل الوصاية السعودية، والإقطاع والرأسمالية الطفيلية. السينما ضرورة اجتماعية وثقافية وسياسية لتأثيراتها وإسهامها في تشكيل العقل والوجدان الإنساني، وتهذيب سلوك الجماهير، وأيضاً تشكيل الواقع وتغيير وجهه وقوامه؛ لقدرتها الهائلة على الاختراق والتوغل في عمق الحياة الاجتماعية، وتنمية القيم والأخلاق والآراء والمفاهيم التي تتلاءم ومتطلبات واحتياجات العصر. للسينما تأثيرها في المجتمعات، كما للسياسة تأثيرها في حياتنا اليومية، ولا يوجد نشاط سياسي أو اجتماعي وإبداع جمالي أو فاعلية أخرى تعمل في فراغ سياسي، بل هناك سلطة معينة تنظم الحياة السياسية والاجتماعية والمجالات الإبداعية بما يخدم مصالحها وأهدافها. 
ظهور أي نوع من أنواع الفنون والآداب في أي مجتمع، وفي فترة زمنية معينة، يخضع لشروط موضوعية ومادية، ومستوى رقي وتطور المجتمع ومتطلباته وحاجاته المادية والروحية وتذوقه الجمالي، فالفن بشكل عام محصلة معطيات الوضع الاجتماعي والسياسي، ونتيجة حتمية لتطوره الإنساني، والسينما أكثر الفنون اقتراباً من الجماهير ومن أي فن آخر، وتستطيع أن تخاطب أكثر الجماهير أمية، وتكوينها المركب الجمالي والاقتصادي يفرض طابعاً مؤسسياً يحددها ويوجهها توجيهاً وطنياً لتواكب وتتزامن مع ثورة أيلول، ولتشكل ملامح السينما الوطنية كأداة لدعم الثورة ومشروعها المناهض للوصاية والهيمنة الأمريكية، وكفن عصري يتوغل بسهولة في قطاعات واسعة في المجتمع، ولقدرتها الهائلة المتزامنة مع الأحداث، والتوثيق، والتسجيل، والإقناع والتأثير المباشر في الأوضاع السياسية، لذا نجد اهتمام دول تحالف الشر والعدوان بالسينما، حيث أصبح رأس المال النفطي ممولاً أساسياً للإنتاج السينمائي، ويفرض شروطاً صارمة على عملية الإنتاج، بحيث يتلاءم مع طبيعته وقيمه ومفاهيمه المتخلفة لخدمة أهدافه السياسية والاجتماعية، ولتكريس الجهل والتخلف في المجتمعات العربية.

أترك تعليقاً

التعليقات