احمد الحبيشي

احمد الحبيشي / لا ميديا

كتب السفير الأمريكي الأسبق في اليمن ونائب الرئيس التنفيذي لمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، 
ستيفن سيتش، بحثاً نشره على موقع المعهد، قال فيه إن السعودية التي نظمت التدخل العسكري في الحرب اليمنية لإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، تجنبت حتى اللحظة مناقشة الاستراتيجية التي ينفذها الإماراتيون في الجنوب، 
وطرح أسئلة حول تصرفاتها بشأن مستقبل دولة يمنية موحدة ودعم هادي.
ولفت إلى أنه، وعلى الرغم من وضوح جدول أعمال الإمارات (الطموح) في الجنوب اليمني المحتل، إلا أن الاختلافات بين الإمارات وحكومة هادي (المنفي) أصبحت تتزايد، بل وبكثير من الفزع لدى هادي.
وقال السفير إن محللاً بارزاً في الخليج قال إن الرياض لا تصر على خروج اليمن من الصراع الحالي كدولة موحدة، ولكنها لا تملك رؤية بعد أن طالت الحرب وتغيّرت المعادلات وموازين القوى في كل الاتجاهات! 
وفي المقابل، يرى السفير سيتش أن هذا الحديث يتناقض مع وجهة نظر هادي في المسألة، وقام من جانبه بالرد على خصومه المحليين من خلال مراسيم أطاحت بعدد من المسؤولين المرتبطين بدولة الإمارات، بما يظهر انزعاجه من تعاونهم الظاهري مع الإمارات بشأن مسائل داخلية.
ويشير إلى أن استثمارات الإمارات ـــ وعلى الرغم من الأزمة مع هادي ـــ تواصل جذب الانتباه في جنوب اليمن، لافتاً إلى قيام الإمارات بإنشاء مهبط طائرات على جزيرة بريم وسط باب المندب الاستراتيجي، والذي يمر من خلاله قرابة 4 ملايين برميل نفط يومياً.
ويقول السفير إن القوات الخاصة الإماراتية أنشأت وجوداً عسكرياً عام 2015 في عدن، ويبدو أن السعوديين وافقوا بالفعل على تحمل الجنوبيين مسؤولية إدارة مناطقهم بالتنسيق مع الإمارات.
وعلى صعيد استثمارات الإمارات في الجنوب المحتل، قال السفير إن أبوظبي قامت بتشييد أبنية ممتدة في جميع الموانئ اليمنية الرئيسية من المكلا شرقاً إلى المخا على ساحل البحر الأحمر غرباً، لتسخير كافة الإمكانات الاقتصادية، كجزء من عملية بناء امبراطورية بحرية أوسع نطاقاً على المدى الطويل.
وبهذا الصدد أشار السفير الأمريكي الأسبق إلى حماس الإمارات لهجوم برمائي على ميناء الحديدة الاستراتيجي لانتزاعه بأية وسيلة سلمية أو عسكرية، حتى لو ظهر أنه غير مدرج ضمن أية عملية عسكرية وشيكة.
ويخلص السفير إلى أنه، وعلى الرغم من استمرار الحرب وعدم ظهور ملامح واضحة في الأفق، يبدو أن الإماراتيين مصممون على تحويل تركيزهم في اليمن من العمل التكتيكي قصير الأجل، إلى امبراطورية بحرية استراتيجية طويلة المدى.
يكشف عبدربه منصور في مقابلة مع صحيفة (عكاظ) عام 2016، جانباً من الخلافات الميدانية في أهداف كل من القوات الغازيّة السعودية والإماراتية على الأرض، حيث يزعم بأن السعودية تمدّ قوات مرتزقته بما تحتاجه في عدن والجنوب، بينما قدمّت له الإمارات 150 مدرّعة تم توزيعها على بعض الألوية، موضحاً أنه طلب من حكام الإمارات الدخول في المعركة برّاً، لكنهم رفضوا، واكتفوا بالقصف الجوي، على الرغم من أنه أبلغ الشيخ محمد بن زايد عندما قابله بأن المطلوب تدخل بري، لا دعم بالطيران، بحسب قوله!
من نافل القول أن عبدربه منصور يمارس ــ بكل خفة ــ أكبر قدر من الكذب والمغالطات، متناسياً أن الإمارات تدخلت برياً في عدن ولحج وباب المندب وصافر وصحن الجن وجنوب وغرب وشرق تعز، وحرصت على تقديم تغطية استعراضية تلفزيونية لهذه التدخلات بهدف تضخيم قدرات ذلك البلد الصغير الذي لا يزيد عدد مواطنيه الأصليين عن 19% من إجمالي سكان الإمارات، بموجب إحصاءات رسمية ودولية.
وبقدر ما حرصت الإمارات على الاستعراضات التلفزيونية لتدخلها البري، فقد كانت مضطرة لتقديم تغطيات استعراضية لتوابيت القتلى ومواكب الجرحى الذين تم دحرهم بواسطة القوة الصاروخية للجيش واللجان الشعبية، في معارك بريّة عديدة انتهت بتدمير عشرات الآليات والمدرّعات، وقتل وجرح المئات من ضباط وجنود جيش الإمارات الذي لم يصمد أمام قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية، رغم مراهناته على الاستقواء بآلاف الغارات الجوية غير المسبوقة في تاريخ الحروب الحديثة.
مما له دلالة أن هذا القرار ارتبط بإعلان قائمة بأسماء وصور قتلى الإمارات في اليمن، ومن بينهم كبار القادة والضباط، وهي قائمة أدرك حكام الإمارات جيداً أن قوائم لاحقة ستنضم إليها إذا أصروا على مواصلة المشاركة البرية في العدوان على اليمن، وانتهاك سيادته واستقلاله، وتدمير مقدراته، وقتل وسفك دماء أبنائه وبناته من الرجال النساء والأطفال، ولم يسلم من مشاركتهم في هذا العدوان الآثم الجبل والحجر والشجر والطير والسابلة.
لا شك في أن وسائل الإعلام في دولة الإمارات حرصت على شحن سكان الإمارات بمشاعر الكراهية ضد اليمن واليمنيين، فيما ظهر الشيخ سلطان القاسمي أحد حكام الإمارات، وهو يتحدث عن ضرورة (الثأر لشهدائهم)!
المضحك أن أحداً من تلك القوائم لم يسقط في ميادين الدفاع عن أراضي وجزر وسيادة دولة الإمارات العربية المتحدة التي تقول إن إيران احتلتها في عهد الامبراطور محمد رضا بهلوي، بل قُتلوا عندما كانوا يعتدون على سيادة وأراضي وجزر وموانئ اليمن.
كان ذلك أواخر شهر أغسطس 2015، قبل أن يرد عليهم أبطالنا الميامين في الميدان بموقعة (توشكا صافر) في الرابع من سبتمبر 2015، الذي دمّر أول دفعة من مقاتليهم، وأعادها الى بلادهم في طائرات نقلت نعوش 105 من قتلاهم، وطائرات إسعاف امتلأت بالمئات من جرحاهم.
بعدها بحوالي 10 أيام، تناولت وسائل إعلام العدوان على نطلق واسع خبراً كاذباً زعموا فيه أن قوات الإمارات والمرتزقة سيطرت على خولان، وأنها تتجه الى صنعاء بمسافة لا تزيد عن 40 كيلومتراً، ونشرت ماكنة الدعاية السوداء صوراً مفبركة عبر القنوات الفضائية السعودية والخليجية ومواقع التواصل الاجتماعي.
من نافل القول أن معظم قيادات تنظيم (القاعدة) التي قتلتها طائرات الدرونز الأمريكية بدون طيّار، بعد سيطرة قوات التحالف السعودي ومرتزقته على الجنوب، كانوا جزءاً أساسياً مما تسمى (وحدات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية والأحزمة الأمنية) المرتبطة بقوى العدوان والاحتلال، بدءاً بجلال بلعيدي، ومروراً بخالد عبدالنبي وخالد باطرفي ونبيل الذهب وناصر الوحيشي.
على صعيد متصل، كانت دولة الإمارات العربية توظف خلافاتها مع الإخوان المسلمين في حكومة (الفار هادي)، للظهور في هيئة شرطي مكافحة الإرهاب في المحافظات الجنوبية المحتلة والمخترقة، وتحويلها الى مربعات أمنية تخدم أهدافها وأطماعها الإقليمية البحرية، الأمر الذي جعل من القضية الجنوبية مجرد ورقة في لعبة التجاذبات بين الأجندات الخارجية لقوى العدوان على اليمن، وما يترتب على ذلك من انعكاس هذه التجاذبات على مكوّنات الحراك الجنوبي المسلح في شكل تناحرات مسلحة ذات طبيعة أمنية، بعيداً عن أهدافها السياسية المعلنة، والتي تم اختزالها في شعار (استعادة الدولة) و(إحياء مشروع الجنوب العربي)!
في هذا السياق، لا تخلو محافظات لحج وأبين وشبوة وحضرموت من تناحر المليشيات وتبادل الهجمات المسلحة والاعتقالات والاغتيالات والتهديدات المتبادلة، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود معتقلات سرية تديرها قوات الإمارات العربية الغازية، ومعظم هذه التناحرات تتم في إطار التنافس بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة بن دغر وحزب الإصلاح على الفوز بوضع الفار هادي بعد أن برزت مؤشرات للتخلي عنه من قبل دول العدوان والاحتلال.
على تربة هذه التناحرات تقاسمت مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي والفار هادي مدينة عدن، وحوّلتها الى ثكنات عسكرية ونقاط أمنية مسلحة، كما حدث الشيء نفسه في محافظتي أبين ولحج، حيث يتم تنفيذ حملة اعتقالات بالهوية، فيما ترسل معسكرات موالية للفار هادي بتعزيزات مسنودة بمدرعات وأطقم الى عدد من المناطق التي تسيطر عليها.
ومما له دلالة أن ما يميِّز المواجهات المسلحة بين القوى الموالية للعدوان وأحزمتها الأمنية، هو مشاركة تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية وتنظيم أنصار الشريعة، في هذه المواجهات، بالإضافة الى دخول التراشق الإعلامي على خط هذه المواجهات بين بن دغر وخالد بحاح.
ويضيف الباحث الأمريكي بير ساليسبري، أن صبر المملكة العربية السعودية بدأ ينفد مع هادي الذي يستمد (شرعيته) كرئيس لليمن من استثماره السياسي لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، ولولا هذا القرار الذي أصرّت على تمريره أمريكا وبريطانيا والسعودية، لن يكون له أي دور في الصراع على الإطلاق!
والحال أن التوترات بين هادي والإمارات تصاعدت منذ دخول القوات الإماراتية الخاصة مدينة عدن أوائل عام 2015، حيث تمكنت مع المليشيات المحلية وبضمنها تنظيم القاعدة وتنظيم أنصار الشريعة وتنظيم الدولة (داعش)، من إخضاع المدينة عسكرياً لسيطرتها، لكنها أصيبت بخيبة أمل بسبب عدم وجود اتصالات بين حكومة هادي والمليشيات في المدينة.
وتعود التوترات دائماً الى اعتماد الفار هادي على شبكة من المليشيات المسلحة والوحدات العسكرية ذات الصلة بالإخوان المسلمين في حزب الإصلاح، خصوصاً منذ أن قام هادي بتعيين الجنرال علي محسن الأحمر نائباً له، مما أثار غضب القادة في أبوظبي.
وقد تزامن هذا القرار مع استقالة محافظ تعز المعيّن من قبل هادي في أواخر سبتمبر 2017، احتجاجاً على عدم دفع الرواتب، فيما حالت الانقسامات والصراعات بين المليشيات الانفصالية والسلفيين وحزب الإصلاح، دون تنسيق الرد على النجاحات التي حققتها قوات الجيش واللجان الشعبية في معظم مديريات تعز، بالإضافة الى تردي الأوضاع في حضرموت بسبب تزايد ظاهرة الاختلالات الأمنية التي أصبحت جزءاً من حروب السيطرة على طرق التهريب بين الوحدات العسكرية المتناحرة.
وفي الآونة الأخيرة راهن الفار هادي وأتباعه على استخدام الطابور الخامس في شق الصف الوطني وتفجير الجبهة الداخلية.. وقد بدأت هذه المراهنات بعد فشل مفاوضات الكويت الثانية، واستهدفت فتح ثغرة في جدار الجبهة الداخلية، تمهيداً لتمكين قوات علي محسن في نهم ومأرب من الاستيلاء على العاصمة صنعاء، لكن كثيراً من المسؤولين العسكريين في السعودية والإمارات أدركوا صعوبة احتلال العاصمة صنعاء، حيث اعترف هادي بأن رئاسته قصيرة الأجل، وسوف تنتهي بمجرد توقيع اتفاق السلام.
في هذا السياق، ارتفعت أصوات المنظمات الإنسانية والحقوقية التي تقدم دعماً لوجيستياً لتحالف العدوان السعودي على اليمن، حيث أقرت الأمم المتحدة إدراج هذا التحالف في القائمة السوداء لقتلة الأطفال في اليمن، فيما تقدم عدد من نواب الكونجرس الديمقراطيين والجمهوريين بطب استخدام قانون قوى الحرب الذي صدر عام 1975 أثناء حرب فيتنام، لتقييد السلطة الرئاسية التي تشارك في حرب اليمن منذ 2015.
وأخيراً.. ثمّة ما يؤكد أن صفقات ضخمة يجري التباحث لعقدها بصورة سريّة في الغرف المغلقة بين السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي تورطت في هذه الحرب من خلال بيع أسلحة بمليارات الدولارات للسعودية والإمارات كل عام منذ بدء العدوان على اليمن، بما في ذلك القنابل العنقودية المحظورة دولياً.
وبحسب دراسة للباحث الاستراتيجي الأمريكي (راندي نورد) في موقع (جيبوليتكال أليرتس)، فإن الأمم المتحدة يمكن أن تُطلق تصريحات زائفة بشأن التحقيقات، لكن ذلك لا ينفي حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية تشارك فعلاً في الحرب على اليمن تحت يافطة دعم الأمن السعودي ومحاربة الإرهاب.. ومن السخرية أن تنظيم القاعدة وغيره من الإرهابيين يحاربون مع قوات هادي المدعومة من السعودية. وقد سُمح للقاعدة بأن تزدهر وتتغوّل في اليمن لأن وجودها أداة هامة لتنفيذ الأجندات والأهداف الاستعمارية الجديدة.

أترك تعليقاً

التعليقات