صفعة القرن بوجه الاستكبار
 

د. مهيوب الحسام

د. مهيوب الحسام / لا ميديا

لماذا يراد للشعوب العربية أن تدفع من دمها وقوتها واستقرارها وحريتها واستقلالها وعزتها وكرامتها، ثمناً لأي انتخابات أمريكية، وصعود كل رئيس للبيت الأبيض إن بالثمن المادي المكلف أو بتنفيذ المشاريع الاستعمارية في الأمة العربية الأكثر كلفة، والتي يراد لها أن تنتزع منهم كل شيء لصالح الاستعمار، فكل رئيس أمريكي يصل للبيت الأبيض يأتي بمشروع استعماري جديد خاص به، يستهدف العرب، ويسوّقه العرب دون مقابل، بل ملزمون بدفع فاتورة تنفيذه فيهم مقابل إبقائهم أذلة خانعين ما بين (عملاء وخونة)، أو مقتولين، وليس لهم الخيرة من أمرهم!
إن صفقة القرن التي تبدأ باعتراف أمريكا بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ثم نقل السفارة الأمريكية رسمياً إليها، ولا تنتهي بإقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء، والذي يمر بتنازل مصر السيسي عن 1000 كم مربع أولاً من أرض سيناء لصالح (نيوم) سراب دولة فلسطين المرتقبة، وقيام كيان (بني سعود) بدفع 10 مليارات دولار لإنشاء مدينة (نيوم)، التي سيقام الجزء الأكبر منها على أرض سيناء، على أن يسبق ذلك اعتراف العرب بيهودية دولة الاحتلال الصهيوني، ثم التطبيع الشامل معها، وهذا يعني أن تلك المدينة المفترضة لن تكون إلا عبارة عن مخيمات ليس لفلسطينيي الشتات، بل لنزوح جديد لمن بقي بالأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948م، وتطهير فلسطين المحتلة من كل أبنائها العرب، وتصبح دولة يهودية خالصة، وتتم تصفية القضية الفلسطينية برمتها، وهنا يقوم (الأنجلوصهيوسكسوني) بالإبادة الثانية من نوعها، ليس لهنود حمر هذه المرة، بل لشعب عربي، واقتلاعه من أرضه، ومثل ما تم من إبادة للهنود الحمر (سكان أمريكا الأصليين)، ومن قبل نفس العصابات، ولإنفاذ ذات المشروع (التوطين، والإحلال) لتحقيق المقولة الصهيونية (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، وهو ما أقيمت على إثره أمريكا (USA).
إن صفقة القرن الترامبية لا يراد لها أن تأخذ من العرب ثرواتهم وسيادتهم على بلدانهم فقط، وإنما يراد لها انتزاع كرامتهم وعزتهم أي (أرضهم وعرضهم)، وبعقد قانوني شرعي، وبشروط جزائية.. لم يعد ترامب ملتزماً بحل ما سمي مجازاً الصراع العر بي الإسرائيلي وفقاً لسراب حل الدولتين الذي دفع العرب كلفته غالياً عدواناً واحتلالاً وقتلاً وتنكيلاً، ومالاً ونفطاً، وتدميراً لكل مقدراتهم، وقبله الأرض مقابل السلام الذي أخرج العرب من دائرة المقاومة، وحاول تجريمها ووصفها بالإرهاب، والمبشر بمشروع الشرق الأوسط الكبير الآتي من رحم مشاريع أمريكية سبقت مثل كامب ديفيد (مشروع جيمي كارتر- كيسينجر).
إن ترامب لم يعد يقبل بالسلام مقابل السلام، بل باستسلام العرب لإسرائيل مقابل دفعهم المال والثروة لأمريكا، والحرية والسيادة والولاء لليهود.. إن صفقة القرن الهادفة لتنازل الزعماء عن الأرض والعرض والثروة، سوف تفشل، وسيلحقها الشعب العربي المقاوم بما سبقها من مشاريع الغرب الاستعماري، وهو كفيل بتحويلها إلى صفعة حقيقة للقرن بوجه الاستكبار، وللأسباب التالية:
1) أنها صفقة تستهدف الشعوب، أما معظم (الزعماء العرب) إن جاز التوصيف فهم بأحضان أمريكا وإسرائيل، ومستسلمون منذ تم إيصالهم للسلطة، والشعوب لا تهزم.
2) ظهور محور المقاومة، ونهوضه بتحمل المسؤولية في التصدي للعدوان الاستعماري الاستكباري، وبما يمتلك من الحق، والمشروع (ثقافة قرآنية)، والمشروعية، والوعي والإدراك، والقضية العادلة ستُزهق مشاريعهم الباطلة، وبشائر النصر واضحة المعالم.
3) بروز الشعب اليمني على رأس الشعوب المقاومة، وبما يمتلكه من مشروع قرآني جامع سيلقف ما صنعوا، وإرادة تاريخية في النصر، وقيادة واعية، وسينتصر الشعب اليمني، وبنصره تنتصر الأمة العربية كلها.
إن صفقة القرن لكي تنجح يقتضي وجود حُكام من وزن السيسي، والمهفوف، والدنبوع... الخ، ونخب مصر وشعوب راكعة، وأرض بحجم سيناء، وشعب مغيب كشعب نجد، ومال سائب كنفط الخليج، وثنائية ارتجالية كترامب، وابني سلمان وزائد، وكل هذا لا قيمة له إن لم يوظف بالقضاء على محور المقاومة.
فرغم تسليم (تيران وصنافير)، وتعهد السيسي دعم ترامب اللامحدود لتنفيذ صفقة القرن، وسكب جل ثروات النفط لترامب والغرب، إلاّ أنه لم يجدِ نفعاً، لأن الشعب العربي الحي المقاوم ليس السيسي، ولا سلمان، وابنه، وميابلة الخليج. لذا لا خوف مادامت الحياة قد دبت في الشعوب العربية من اليمن إلى الشام، والوقائع تعزز ذلك، وهذا معناه إن سكت شعب مصر عن التفريط بأرضه، وشعب نجد والخليج عن تبديد ثرواته، فإن الشعوب العربية الحية لن تسكت، وها هي تنتصر، أما مصر كامب ديفيد فلم تعد مقياساً لحياة الشعوب العربية، فهي أول من اعترف بالكيان وطبّع وبارك، ومع ذلك لم تنتصر المقاومة ضد إسرائيل إلاّ بغياب مصر، بل بوقوفها ضدها في تموز 2006م، وما تلاه من حروب على غزة وسورية.. الخ.
التحية والإجلال للشعب اليمني بجيشه المقاوم، ولجانه الشعبية المجاهدة، وقيادته، الرحمة والخلود للشهداء، الشفاء للجرحى، الحرية للأسرى، السلام على السيد حسين بدر الدين في ذكرى استشهاده، الهزيمة للعدوان (السعوصهيوأمريكي)، النصر للشعب اليمني العظيم.

أترك تعليقاً

التعليقات