منظمات التجسس والإفساد
 

عبد الحافظ معجب

عبد الحافظ معجب / لا ميديا

تعرف المنظمات غير الحكومية نفسها بأنها منظومة واسعة النطاق من اتحادات العمل، وتشمل منظمات مستقلة تدافع عن السياسة العامة، ومنظمات لا تبحث عن الربح، تدافع عن حقوق الإنسان وتروج الديمقراطية، ومنظمات إنسانية، ومؤسسات وصناديق مالية خاصة، وشركات ائتمان خيرية لا تتضمن أحزاباً سياسية. 
هذا التعريف المنمق لم يلغِ حقيقة الدور المشبوه الذي تقوم به أغلب هذه المنظمات من خلال التمويل الأجنبي لنشاطها. طبعاً هذه الاتهامات ليست جديدة، وإنما قديمة متجددة، لا سيما وأنها أصبحت تعمل بشكل علني على ترجمة الأجندات الخارجية، وتقوم بمهمة الجاسوس، حيث يتم استخدام المشاريع الإنسانية في جمع المعلومات المختلفة، وعبر طرق وأساليب مختلفة، ويتم تقديمها للجهات الممولة.
الملياردير اليهودي الأمريكي من أصل مجري، والممول الرئيسي لعدد كبير من هذه المنظمات في العالم، جورج سورس، كشف عن الدور الذي لعبته هذه المنظمات في تقويض الحكومات الشيوعية السابقة في دول أوروبا الشرقية، عبر دعم الأنشطة البديلة للدولة ومؤسساتها، فقد أصبحت المؤسسة هي المصدر الرئيسي لدعم المجتمع المدني في المجر. ومع ازدهار المجتمع المدني بدأ أفول النظام الشيوعي، وإثر انهيار الشيوعية تغيرت رسالة شبكة المؤسسات، ثم تحولت من مهمة التخريب إلى مهمة البناء، وهو أمر ليس بالسهل عندما يكون المؤمنون بالمجتمع المدني قد اعتادوا الأنشطة التخريبية. 
الاستعمار الحديث يختلف عن الاستعمار القديم بالشكل فقط، فلقد استدعت الحروب الجديدة للمستعمر استخدام مبررات عصرية، تتلاءم مع الوعي الحديث بحقوق الإنسان 
والديمقراطية وحقوق الأقليات، وهي مجموعة مفاهيم برزت في خضم الحرب الباردة، وانتشار الخطاب الحداثوي حول العالم، الذي كان يعمل على تقويض الكتلة الاشتراكية. 
وقد عزز هذه الدعاية وجود الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، حيث سعت الأولى لاستخدام جميع الوسائل الممكنة لتشويه سمعة (العدو)، ومن هذه الوسائل المشهورة، كان استغلال المنظمات الحقوقية العالمية، كمنظمة (هيومن رايتس ووتش) و(منظمة العفو الدولية) لتحطيم صورة الأنظمة المقاومة لسياسة الاستعمار، ودعمت المستعمر بمئات التقارير التي تتهم الدول التي لديها مشاكل مع الغرب، أو تعارض سياسته العدوانية، بتجاوزات حقوق الإنسان، لمنح مسوغ (قانوني) للمستعمر يسهل تدخلاته في الشؤون الداخلية للدول وفرض الوصاية عليها.
وبالرغم من أن العالم مر بالكثير من الحروب والأزمات في مختلف مناطقه، لكن هذه المنظمات لم تقم بواجبها في فضح وكشف الانتهاكات الحقوقية، سوى في الحروب التي يكون للمستعمر مصلحة مباشرة فيها، حتى المحاكمات التي تمت على إثر حروب البلقان بين البوسنيين والصرب، ومحاكمة سلوبودان ميلوسيفيتش في محكمة لاهاي، كانت لضمان مصالح الغرب.
أما حروب جورج بوش الابن العدوانية، على أفغانستان والعراق، وقتل الملايين من الأبرياء، وتدمير مساكنهم، كما جاء في اعترافات توني بلير الأخيرة، بأنه ذهب للحرب بناءً على تقارير مزيفة حول الخطر الذي يشكله العراق على جيرانه، فلم نسمع لهذه المنظمات صوتاً يبحث عن محاكمة القتلة.
شاركت الأمم المتحدة بشكل مباشر في فساد هذه المنظمات من خلال فضيحة برنامج النفط مقابل الغذاء، بتورط مسؤولين كبار وشركات متعددة الجنسيات، والمبالغ بالملايين على حساب قوت الشعب العراقي.
لم يتوقف الأمر عند الفساد المالي، بل وصل إلى الفساد الأخلاقي من خلال انتهاكات جنسية لموظفين في منظمات أممية وحكومية وخاصة، بعد عدد من التحقيقات الصحفية، وبيانات تندرج في إطار الشفافية من المنظمات نفسها، واتهمت صحيفة (التايمز) عاملين في الأمم المتحدة بارتكاب آلاف حالات الاغتصاب حول العالم، في تحقيق تحت عنوان (الفضيحة الخيرية). وبحسب الصحيفة فإن المنظمة الدولية مسؤولة عن 60 ألف حالة اغتصاب ارتكبها موظفون لها حول العالم، خلال العقد الأخير.
مؤخراً، ذكر تقرير أممي أن النساء في مخيمات اللاجئين السوريين يُجبرن على تقديم خدمات جنسية مقابل الحصول على مساعدات الأمم المتحدة.. ويقول التقرير إن موظفي الإغاثة يضايقون النساء والبنات جنسياً أثناء محاولاتهن الحصول على المساعدات الإنسانية، حتى إن بعضهن توقفن عن طلب المساعدة.
بعض الضحايا أجبرن على الزواج من موظفين محليين تابعين للأمم المتحدة وبعض المنظمات الخيرية الدولية الأخرى، للحصول على خدمات جنسية مقابل تلقي وجبات الطعام.
هذه الادعاءات نشرها صندوق الأمم المتحدة للسكان الذي أصدر تقديرًا للعنف الجنسي في المنطقة خلال العام الماضي، وتوصل إلى أن المساعدات تصل للناس مقابل الجنس.
في اليمن، لاتزال حقيقة هذه المنظمات غامضة ولم يتم الكشف عنها بشكل رسمي، باستثناء بعض الفضائح التي فاحت رائحتها مؤخراً، منها إحراق مخازن برنامج الغذاء العالمي بالحديدة للتغطية على صفقات فساد وإخفاء المواد الغذائية المنتهية الصلاحية وغير الصالحة للاستهلاك الآدمي، وفضيحة الشحنات الكبيرة من المساعدات الطبية التي أدخلتها منظمة الصحة العالمية إلى اليمن، وبعد أن ضبطتها الأجهزة الأمنية في صنعاء اتضح أنها حبوب لمنع الحمل وواقيات ذكرية، وليس بينها أية أدوية من التي يحتاجها الشعب اليمني.
أما الفضيحة الأكبر فهي البرنامج الذي تموله منظمة الهجرة الدولية في أمانة العاصمة، ويستهدف 1300 من الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، و1400 امرأة ممن يمارسن الجنس مقابل المال، طبعاً وبإشراف من وزارة الصحة بصنعاء. 
التفتيش والتدقيق في عمل هذه المنظمات سيقودنا إلى الكثير والكثير من الفضائح التي تتم بشكل ممنهج لتدمير المجتمع اليمني، وتحقيق بعض مما عجز عن تحقيقه العدوان، وتأسيس الآلاف من المنظمات المحلية في الفترة القليلة الماضية يضع علامات استفهام؛ إذ يحتاج المجتمع لمعرفة دوافعها وأسبابها.

أترك تعليقاً

التعليقات