أكرم عبدالفتاح

أكرم عبدالفتاح

ميناء الحديدة الأهداف والأطماع
بالنسبة لدويلة الإمارات فقد تضاعفت أهمية السيطرة على ميناء الحديدة بعد أن فقدت الإمارات فرصتها في إدارة موانئ جيبوتي والصومال، هذا ما جعلها تستميت في محاولات السيطرة التامة والدائمة على ميناء الحديدة، إضافة إلى المخا والجزر اليمنية وبقية المناطق الاستراتيجية في الساحل اليمني، ما يؤهلها للعب دورها المرسوم ضمن استراتيجية امبريالية ترتبط بشكل المنطقة وتهيئتها لتنفيذ (صفقة القرن) والمشروع السعودي الإسرائيلي لجزر تيران وصنافير (مشروع نيوم). هذا من الناحية الاستراتيجية.. أما من ناحية الأغراض المرحلية المرتبطة بالحرب الراهنة، فقد أدركت دول العدوان أن فرض حالة الحصار البحري وعرقلة وصول الواردات الغذائية -ضمن وسائل حرب التجويع الأخرى- لم تكن كافية لتركيع الشعب اليمني وكسر مقاومته. كما أنها عجزت عن منع وصول التموينات الغذائية والوقود للمقاتلين في الجبهات؛ حيث أن الحظر البحري ومنع السفن من دخول الميناء هو إجراء يمكن اتخاذه لفترات قصيرة وبشكل متقطع، لكنها لا تستطيع فرضه بشكل دائم أو لفترة طويلة، كونه أمراً يتعذر إخفاؤه عن وسائل الإعلام، كما لا يمكن إقناع المنظمات الدولية برفع مستوى تواطؤها مع العدوان إلى هذا الحد، حيث إن إغلاق الميناء هو نوع من العقاب الجماعي الذي يُعد من أخطر الانتهاكات للقانون الدولي، ولا يمكن للمنظمات الدولية المخاطرة بفضح تواطؤها إلى هذا الحد، فقواعد اللعبة هنا هي الاكتفاء بإصدار بيانات المناشدة والتحذير، ليتم بعدها تشغيل الميناء لفترة موقتة، ثم الإغلاق من جديد. هكذا سارت الأمور في السنوات الماضية. في حين أن احتلال الميناء سيمنح دول العدوان سلطة التحكم بتوزيع الواردات للميناء بشكل تام، كونه يجعلها هي السلطة التي تستلم المواد الغذائية والوقود، وهي التي تحدد مناطق توزيعها وحصصها، بحيث يمكنها تحديد الكميات التي ستصل إلى محافظات الداخل، مع فرض شروط تسليمها أو منعها نهائيا لاستكمال حرب التجويع دون إثارة اللغط المعتاد من قبل المنظمات الدولية.
باختصار: اللعبة هنا شبيهة بعملية نقل البنك المركزي إلى عدن.. ومن المفيد التذكير بأن دول العدوان قد كثفت جهودها طوال العامين الأخيرين لمحاولة السيطرة على ميناء الحديدة، بما في ذلك اللجوء لأساليب المؤامرات الديبلوماسية المدعومة من الدول الغربية الكبرى. وكان أبرز تلك المؤامرات مجموعة الاقتراحات التي طرحها المبعوث الأممي السابق، إسماعيل ولد الشيخ، في مجلس الأمن الدولي. وبالطبع لقد فشلت كل الضغوط الدولية المبذولة لتمرير صفقة تسليم ميناء الحديدة مقابل وعود هلامية بصرف مرتبات موظفي الجهاز الحكومي.

حسابات الميدان بين المنطق والواقع
من الناحية النظرية، فإن احتلال الساحل الغربي بالكامل هو أمر بالغ السهولة بالنسبة لقوات تمتلك سيطرة جوية مطلقة في مواجهة خصم لا يمتلك أي وسيلة للدفاع الجوي، مع الأخذ بالاعتبار جغرافية الساحل السهلي المكشوفة تماما دون غطاء أو موانع جبلية تصلح للتمترس والاختباء من الطائرات. 
وإلى جانب السيطرة الجوية -والبحرية أيضا- فإن قوات العدوان تمتلك كثافة نارية هائلة وقدرات تكنولوجية متفوقة هي الأحدث في العالم، ومعها إمكانيات مالية تمكنها من استمرار تحشيد المزيد من الأسلحة والمقاتلين المحليين والأجانب. 
كل ذلك يفترض أن يجعل احتلال الساحل الغربي -من ميدي إلى المخا- مهمة سهلة يمكن إنجازها في أسابيع قليلة، لاسيما مع وجود طائرات الأباتشي بإمكانياتها المرعبة.. هذا ما يقوله المنطق وموازين العلوم العسكرية. لكن في اليمن هناك عامل حاسم هو المقاتلون المؤمنون بقضيتهم، والذين خلقوا ببطولاتهم وتضحياتهم واقعا مختلفا طوال أربع سنوات.. في الخريطة الراهنة لمسرح العمليات تنتشر نقاط الاشتباك على طول الطريق الساحلي، وهي في أغلبها نقاط متنقلة يعتمد فيها الجيش واللجان الشعبية أساليب الكمائن والهجمات الخاطفة، متجنبين البقاء في مواقع مكشوفة لفترة طويلة، تحاشيا للقصف الجوي.. أطراف مديريتي الدريهمي والتحيتا تشكل النقاط الأهم للاشتباكات في الأيام الأخيرة، حيث كانت بعض وحدات من قوات المرتزقة قد تمكنت من تحقيق اختراق وصلت بموجبه إلى أطراف مديرية الدريهمي، مستفيدة من القدرات النارية الهائلة لطائرات الأباتشي التي فتحت لها الطريق. لكنها توقفت وانكفأت لاحقاً نتيجة الضربات التي شنها مقاتلو الجيش واللجان الشعبية بهجمات متلاحقة استطاعت احتواء الثغرة وكسر شوكة القوات المتسللة، فيما لا يزال الوضع منذرا بالخطر إن وصلت تعزيزات كبيرة للمرتزقة، وهو الأمر المتعذر حالياً، كون أي تعزيرات تحاول التقدم تجد نفسها عرضة للكمائن والضربات المتلاحقة على طول الخط البحري. . وبتطورات اليومين الأخيرين تم دحر كتائب الارتزاق من أطراف مديرية الدريهمي والجاح إلى ما بعد منطقة الفازة جنوب مديرية التحيتا على حدود مديرية الخوخة.. المحور الآخر للمعارك يمتد على محيط الطرق البرية الرابطة بين الخوخة وزبيد وحيس ومناطق الجراحي المقابلة لمنطقة الجاح، حيث حاولت قوات المرتزقة التقدم على هذا المحور لكنها عجزت عن الوصول إلى أي من مراكز المديريات الثلاث، وخلال هذا الأسبوع تعرضت لضربات موجعة أودت بقسم كبير من آلياتها وأفرادها، كما نجح مقاتلو الجيش في قطع طرق الإمداد عنها.
من حيث التكتيك العسكري، تعتمد قوات المرتزقة في هجماتها على قوة الطيران الذي يفتح أمامها الطريق للتقدم عبر القصف المكثف لكل شيء. لكنهم دائما ما يصلون إلى النقاط التي ينتظرهم فيها مقاتلو الجيش واللجان الشعبية بصواريخهم المضادة للدروع فتكون النتيجة تدمير بعض المدرعات وتراجع بقية المرتزقة إلى الخلف. 
وعلى هذا يتضح أن قوات الجيش واللجان الشعبية تعتمد على أساليب الكمائن والهجمات الخاطفة في مجموعات صغيرة، مع مراعاة اختيار نقاط محددة كخطوط حمراء ينتظرون فيها تقدم المرتزقة، مستخدمين مختلف أساليب التمويه لتجنب القصف الجوي وإمكانيات الرصد المتفوقة لطيران العدوان.
وبنتيجة العمليات القتالية الأخيرة والخسائر التي منيت بها قوات المرتزقة، يمكن القول بأنها صارت عاجزة عمليا عن الوصول إلى مدينة الحديدة، فهي بحاجة إلى تعزيزات تساوي ضعف حجمها كي تتمكن من تنفيذ هجوم آخر.
وعلى الناحية الأخرى نجد أن قوات الجيش واللجان الشعبية قد استقبلت تعزيزات كبيرة وفعالة على المستويين الكمي والنوعي، وهو ما ظهر أثره بوضوح في تطورات الأحداث الميدانية في الأيام الأربعة الأخيرة، تطورات أثبتت أن الأبطال جعلوا من الحديدة عقبة أعلى من فرضة نهم.

أترك تعليقاً

التعليقات