خواطر من مقبرة الرحمة..
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -

أفكر غداً بزيارة المقبرة
أتحدث مع موتى لا أعرفهم
أحمل لهم الريحان
وأوزع عليهم الفاتحة نيابة عن أولادهم
الذين انقطعوا عن إرسال الفواتح.
***
أوه! هذا قبر ناصر، صاحب الطاحون،
لم يستمتع بشبابه
شعره أبيض باستمرار،
حواجبه ورموشه مليئة بالطحين
كأنه نجا من عاصفة ثلجية!
كان يدعو بحسن الختام رغم أنه في الثلاثين
لكنه لعب دور الرجل الثمانيني بكل وقار..
لولا ناصر لكنا نأكل القمح على طريقة الطيور.
***
هذا قبر محسن الحلاق،
يعرف الآن أن كل الجماجم التي تحيط به صلعاء
وشعر الموتى لا يطول..
محسن يعرف الأشرار من الندوب التي في رؤوسهم
ويستطيع تحليل الوحمات من ألوانها..
حين رأى بقعة بيضاء خلف رقبتي، قال: هذه لبانة..
كان يتحدث كثيراً مع الزبائن
ويسرد لهم قصة اغترابه في السعودية..
هو الآن دون فم
ودون مقص
ودون ذاكرة...!
***
هذا قبر جارتنا حميدة،
أتذكر أنهم شيعوها على سيارة هايلوكس
ولم ينزل أحد ليضعها في اللحد،
لم يكن هناك لحد يتسع لها..
عاد زوجها مع المشيعين وهو يفكر بامرأة جديدة
وقبرها لم يجف بعد..
حاولت إرضاءه بإنقاص وزنها
لكنه كان مستعجلاً..
قطعت شريان ساقها وملأت علبة النيدو،
تظن أن إنقاص الدم له علاقة بالوزن..
حين نهضت ركلت علبة النيدو
فسمنت كل قطط الحارة.
***
قبور كثيرة تنبت كل يوم
وموتى كثيرون دفنوهم سراً
على طريقة السوق للسوداء..
الكورونا تهمة تلتصق بأي وفاة طبيعية،
أستاذ الرياضيات حمله أخوه بداخل سيارة ذات زجاج مظلم
أيقظ حارس المقبرة وناوله الأمانة ومبلغاً كبيراً،
ذهب الطلاب إلى المدرسة والأستاذ نائم في قبره
دون أن يمشي تحت نعشه أحد
ولم يبعث له أحد بالفاتحة.

أترك تعليقاً

التعليقات