ثورة في صحيفة
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا

جميع الثورات في العالم بدأت رفضها للواقع الاستبدادي بالتمرد عليه، بدأت بكلمة لا لامتهان الإنسان، فتحقيق الأهداف والغايات، والطموحات، والانتصارات لم يكن بالحديد والنار فقط، وإنما وقبل كل شيء بالرفض الواعي، والإرادة الممانعة، وتثبيت العقيدة والإيمان والمعرفة بطبيعة العدو، فالعدو له أيديولوجيته ومخططاته الاستعمارية وتكوينه العدائي في استلاب حقوق الغير، ولا يمكن مواجهة العدو إلا بالوعي بتلك الحقائق، وأي اجتهاد يعكس غير هذه الحقائق إنما هو خداع في التعبئة وتزييف لمقومات الصراع وشروطه.
صحيفة (لا) منذ أول عدد لها، أطلقت صرختها (لا) للعدوان والوصاية والإقطاع، لا للفساد والتبعية للاستعمار، صرختها القوية مع الوطن المنكوب والمظلوم، والدفاع عن الإنسان دائماً، الإنسان الذي لا يريد أن يستلب وأن يخضع، أو أن ينقاد، صحيفة (لا) انطلقت بإيمان ودفع ثوري لا يتراجع، وبقوة ترسيخ المشروع الوطني الثوري التقدمي في الوعي والممارسة، فكانت لحظة نضوج للفكر الإنساني ولدت فيها دعوة للصمود، والمقاومة، والنضال ضد جميع أشكال الاضطهاد، ولكي لا يتكبد شعبنا الظلم، وتتقاذفه الأيادي القوية ليُساق إلى المذابح كالأغنام، ودعوتها للحرية والخروج من سقف الآخر المفروض ظلماً وعدواناً بقوة الهيمنة الإمبريالية، هذا السقف الذي ظل ينتج خطاباً مرتهناً لإرادة الغير، فتماهى مع المتسلط، واستبطن ثقافته، وفكره، ومخططاته، وسعى لمحاكاته في كل شيء.
استطاعت (لا) أن تجسد الثوابت الوطنية، وتعكس هموم المجتمع وتطلعاته، وتنقل الأحداث بصدق وأمانة، وتعمل جاهدة على خلق الوعي الوطني الثوري، ونشره بين صفوف الجماهير المناضلة، وكان لها النصيب الأكبر من المعاناة والأوفر من المكابدة منذ صدورها، وتحملت موقنة بأن جسامة الضريبة تكون بمستوى المواقف النضالية، وليس هناك عمل عظيم بلا تضحية أعظم، وتميزت باستقلالها الفكري والمالي، واعتمادها على شح دخلها، وفقر محرريها، ولم تعبر عن وجهة نظر معينة بذاتها، فكانت لها شخصيتها المستقلة، وثقافتها، ومنهجها، ومحاطة بغابة من أفضل الأقلام المتمكنة، والمعروفة بالشجاعة الأدبية، وجرأة الموقف، وقداسة الحرف. وبذلك تمكنت من خلق الوعي الوطني الراسخ، والذي أصبح قوة مادية تعكسه الجماهير ممارسة ونضالاً يومياً، وها هو شعبنا الفقير الجائع المحاصر يقف بصمود، ويقاوم أعتى قوى استعمارية في العالم، ويثبت بالدليل والبرهان القاطع على أن موازين القوى الطبيعية في مستويات المقاومة الوطنية أنتجت من الانتصارات وحققت من الضربات الموجعة ما لم تحققه موازين قوى الدبابات، والطائرات، والأساطيل، وعندما يكون امتشاق المعاول والفؤوس والمطارق واستخدام الكبريت، عندما يكون هذا كله متوفراً، فإن القاعدة التي يستند إليها شرط الصراع تصبح الإرادة، واللاءات في التاريخ مازالت تسترجع صدى مفاعيلها، ولاءاتنا نحن بالذات، فلنتذكر فقط صدور أول عدد لصحيفة (لا) وصرختها القوية التي حفزت الحشود وجعلتها مستثارة بالرفض، والتمرد، ومقاومة العدوان، والصمود، مستجيبة للموجات الثورية، ولعلها اليوم أمام مهمات أصعب، ولكنها قادرة على خوض هذه التحديات، والمحطات الكبرى والتحولات التي لا يمكن حصرها، وما تطرحه ثورة أيلول على الإنسانية من قضايا هي علامات ولادة تاريخية كبرى في المنطقة لعصر الإنسانية، عصر جديد هو عصر الشعوب المستضعفة التي تزحف زحفاً مقدساً نحو الانعتاق النهائي.

أترك تعليقاً

التعليقات