التحيزات وتخليق الأوهام
 

محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد / لا ميديا

يُستخدم الإعلام في السياسة، كما في الأدب والثقافة، في صناعة النجم. 
نجد ذلك في تسليط الأحزاب الضوء على رموزهم السياسية والثقافية... الخ.
في اليمن كانت ماكينة الإعلام الحزبي متفوقة في صناعة النجم السياسي والثقافي. 
في الثقافة نجد الحديث عن "رائد النقد الواقعي في اليمن" يذهب به اليسار –ولا يسار في اليمن- لوصف ما أنتجه المرحوم عبد الرحمن الأهدل من "نقد أدبي"، وعند إعادة تقييم ما أنجزه من دراسات ومقالات نقدية نجده لا يرقى إلى التمثل الحقيقي بـ"المنهج الواقعي"، ناهيك عن القول بأنه "رائد الواقعية النقدية في اليمن". ما أنجزه عبد الرحمن الأهدل ليس سوى شروحات مدرسية، وانطباعات أيديولوجية سطحية التأويل، ولا تتجاوز التفسير والشرح المدرسي!
الإعلام يؤمن بمقولة بيكاسو، حين ذهبت إليه امرأة من علية القوم طالبة منه أن يرسمها، وحين أنجز رسمها وشاهدت الصورة
 قالت: ولكنها لا تشبهني! فرد عليها بيكاسو: "ستصيرين مثلها"!
على النسق ذاته نجد نجوم السياسة.
 يذكر ابن خلدون في مقدمته أن فهم الرجل العامي للسياسة أفضل من أصحاب المعارف النظرية. ينظر العامي للأشياء والتفاصيل الواقعية بمعيار الحس والتجربة المباشرة، والواقعية الاجتماعية، في حين أن صاحب المعارف النظرية يظل بعيداً بمفاهيمه الكلية ومعارفه عن الواقع الاجتماعي وجزئياته. 
هذا الطرح يمكننا إسقاطه عملياً على حكم الرئيس علي عبد الله صالح، والرئيس عبد الفتاح إسماعيل. فصالح كان يدير اليمن بعلاقاته الاجتماعية المباشرة بالناس والوجاهات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مع فهم لتفاصيل المجتمع وجغرافيته وعاداته وتقاليده تكويناً وأمزجة، تخدمه وتعينه على ذلك ذاكرة اجتماعية قوية، فقد كانت ذاكرته من ضمن خصاله السياسية الفاعلة والمؤثرة اجتماعياً، فالناس يتعلقون بالرئيس الذي يتذكر تفاصيل وحكايات تربطهم به ومعه، طمرها النسيان ولكنها ظلت لدى الحاكم حية.
في المقابل يمكننا أن نقول بأن الرئيس عبد الفتاح إسماعيل كان يدير جمهورية اليمن الديمقراطية من واقع النصوص الماركسية، وبالأصح من واقع النص الستاليني والمقولات اللينينية وعبارات جيفارا. فقد كانت رؤيته للحياة السياسية تتم من خلال حجاب المقولات الجاهزة وإعادة توظيفها في مجتمع مغاير، بل حين يعمل على تقييم تجربة الحزب مع الجماهير يستنسخ ما طرحه جمال عبد الناصر وحديثه عن تجربة الاتحاد الاشتراكي، ويصل الاستنساخ إلى الأسلوب والأداء الصوتي!
هذا التبسيط المخل والنصوصية أضر بالثورات العربية، وقفز على الواقع ومراحل تطوره. يقول منح الصلح: "مما أضر بالثورة العربية التبسيط المبالغ في فهم وتطبيق الفكرة التي تقول: غيِّرْ أوضاع الإنسان الاقتصادية والاجتماعية يتغير الإنسان". ويقول: "لم يصدر من الأنظمة التقدمية أي توجه عميق إلى عقل الفرد وضميره، لذلك لم يتغير هذا العقل وهذا الضمير بنسبة ما تغيرت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية" (صادق جلال العظم: نقد الفكر الأبوي، دار الطليعة، 1969م، ص 154 ـ 155).
 السياسة يحتاج صاحبها بحسب مقدمة ابن خلدون إلى مراعاة العمران كما هو في واقعه الخارجي. وكثيراً ما تكون الكليات العقلية العامة مخالفة للجزئيات الخارجية الواقعية، لهذا كان الرجل العامي ذو الطبع السليم والذكاء المتوسط أكثر نجاحاً في السياسة من العالم المتمنطق. إنه ينظر إلى الأمور بفطرته الحسية، فلا يبني حكمه على قياس أو تعميم، وهو في هذا كمثل السابح الذي لا يفارق الساحل عند الموج فيأمن من الغرق (علي الوردي: منطق ابن خلدون في ضوء حضارته وشخصيته، ط2، 1994م، ص 70).

أترك تعليقاً

التعليقات