أن تكون (أنت)لا سواك
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا

تكمنُ البداية في البحث عن الذات في التأثر المتكرر الذي يجد من خلاله الباحث عنصراً مفقوداً من تكوينه طالما حلم به دون معرفته أو الشعور بالحاجة إليه.
ربما كان صدىً رديئاً لذلك العنصر..
لكنه لن يخلو من اكتساب جزئيات تجعله يكتفي بهذاa العنصر عند اكتمال نصابه، والكفِّ عن مؤونة البحث عن عناصر أخرى، لإحساسه ببلوغ المرتبة التي كان ينشدها قبل أن يتحصَّل عليها.
الذات في جوهرها تعني التفرد.. وهذا لا يتأتى إلاَّ عن طريق الاستقلال التام الذي لا يحتاج معه إلى تقمُّص الأدوار التي يجد في كلٍّ منها جزءاً من تلك الذات التي إن فُقـِدتْ أو بُعـثرتْ في عـدة أشخاص، ففاقدها بحاجة إلى عدَّة أوجهٍ تعمل على تجميعها، وربما استساغ البقاء كعدَّة أشخاص لا يجمعهم إلا النوم!
وبذلك لا يكون (هو) إلاَّ عندما يكون في حالة من اللاوعي التام الذي يمتزج بهلام وكوابيس تفرض عليه إتاوات نرجسيته التي ينساها حيناً من الدهر، فيتجه إلى تقليد أصوات غريبة لمخلوقات لم تخلق بعد.. أو التي خلقت في أطوار أخرى لا تمت إلى جنسه بِصِلة.. يجد فيها نفسه كلما استجاب لصوت البديهة..
ولولا الكُلفة التي يقتات من خبزها كل يوم ليقيم أوَدَه، لما كان لنفسه أن تنطلق بعد أن قيَّدها بالرياء!
هناك الكثير ممن يقتاتون على ما تساقط من موائـد الآخرين.. فيعيشون في غربة تامة بين الـ(أنا) والـ(آخر).. ربما شعروا بتلك الغربة، لكن قلق التفرُّد والاستقلال لم يسكنهم قَطْ.. ويرحلون من هذه الدنيا كما جاؤوا إليها.. (فلم يشعر أحد برحيلهم الذي كان أشبه بسحابةٍ عقيمةٍ تلاشت على صدر الفضاء أو تكسَّرت على قمم الجبال.. وما أكثر السحاب)!
وهناك القليل فقط هم أحسن حالاً من سابقيهم، إذ إنهم يرون أنفسهم ويحاولون النفاذ إليها، لكنها رؤية ينقصها اكتمال الدراية.. فلا يجدون سبيلاً إلى سَبْر أغوارها والوصول إلى كنهها.. تماماً كالصوفي الذي يقف أمام البحر الزاخر فيحسُّ به وبما فيه، ويستشعر كلَّ موجةٍ تتكسَّر عند قدميه.. وأقلّ ما يستخلصه أن هذه الموجة المتكسِّرة كالوقت، لا تتكرَّر، فيظلُّ صامتاً لعجزه عن استنطاق نفسه.
ربما تكون المقولة: (كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة)، مبرراً لذلك العجز/ القيد، الذي يجعل المرء عازفاً عـن التفكير بالخروج من قوقـعته  - التي وجد نفسه بداخلها منذ نعومة تفكيره- والبحث عن ذاته.. لكنه مبررٌ كافٍ إذا أخذنا في الاعتبار أن للعقل حدوداً لا يستطيع تجاوزها.. لكن هذا المبرر لا يحتاج إلى مثل هذا الاعتبار، كون المبرر في الدرجة العاشرة والاعتبار في الدرجة الألف.
فقط يحتاج الواحد منا إلى لحظة جديدة لم تخطر على بال التقاويم، ليرى نفسه في المرآة بكل وضوح، بعد أن حلَّت الـ(أنا) محل الــ(هو) أو الـ(هـم).


أترك تعليقاً

التعليقات