صناعة الكرب!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

أشفق لحال اليمني وهو يواجه كرب هذه الحرب غير المسبوقة على مر التاريخ في ضراوتها، وغير المعهودة في كم ونوع أدواتها وأسلحتها وتعدد جبهاتها وانعدام أي مقومات تكافؤ بحساب موازين الحرب التقليدية.
وأشفق أكثر لحال من يحارب اليمن ويكون خصمه يمنياً، فالأخير أثبت مقدرة فذة، بل خارقة للممكنات الواقعية، ومارقة على أي حسابات منطقية في الصبر والجلد، وقاهرة في التصدي والصلد، وفي قوة الاحتمال، تفوق الخيال.
لا تصنف الحرب على اليمن اعتيادية، فليس كمثلها في ما نعرف، بدءاً من أطرافها: أعتى دول العالم وأقواها تصنيعاً واقتصاداً ونفوذاً، تشنها بلا هوادة، وتمولها أغنى دول العالم ثروات وأموالاً بسخاء، على دولة فقيرة.
لا تتورع دول تمويل وشن الحرب على اليمن، في استخدام أي أسلحة أو حيلة أو وسيلة من دون تردد أو مراعاة لرادع من ضمير أو قيم أو أعراف أو قوانين وتشريعات تنظم ضوابط للحرب ومحاذير إنسانية وأخلاقية.
لا تقتصر هذه الحرب على معارك المواجهة العسكرية المباشرة في ساحات النزال مثلاً وجبهات القتال، ولا على ترسانة القصف الجوي والبحري وتقنية الأسلحة (الذكية) الموجهة وأحدث القنابل ابتكاراً وفتكاً.
لا تقتصر الحرب أيضاً على صنوف الحرب الاقتصادية: حظراً للأجواء وحصاراً للمنافذ البحرية والبرية، وتدميراً لمقومات الإنتاج وتقييداً لموارد الإيراد وإعداماً لفرص العمل وتعميماً للفقر والعوز وصناعة للجوع.
لا ينحصر انفراد هذه الحرب من دون حروب العالم التي عرفتها البشرية، في استخدام رواتب الموظفين سلاحاً للإخضاع، ولا في تدمير المزارع والمنشآت المائية، وحظر الاصطياد السمكي، ومقومات العيش.
هذه الحرب تمتد إلى جبهات حربية عدة ممنهجة ومنظمة وشرسة، تتصدرها جبهة الحرب النفسية، وتكريس ترسانة ضخمة لا تدخر وسيلة من وسائل الاتصال والمعرفة للإيهام والإلهاء والادعاء والإغواء.
لا تقتصر هذه الحرب على غاية مسخ الوعي ونسف القيم وخسف الثوابت، بل تمتد إلى قصف الوجدان، وإنتاج الأحقاد وزرع الأدران وبث الكراهية وتسميم النفوس بأمراض شتى، وقتل الأمل الذي يلزم الإنسان للعيش.
تمتد هذه الحرب الشرسة إلى جبهة الحرب الصحية أيضاً، بتدمير قدرات القطاع الطبي ومقومات الوقاية ومقدرات العلاج، علاوة على نشر أمراض وفيروسات وبائية مندثرة عالمياً لا تستثني حتى الأجنة والمواليد!
لا تستهدف هذه الحرب تدمير البنيان ودك العمران، بل تستهدف تفتيت الكيان واحتلال المكان، وتمزيق نسيج المجتمع ببث أوهام وبهتان، وإنهاك وإخضاع الإنسان، وتحويله إلى تابع ذليل يستجدي سلال الهوان!
لا خلاص لليمنيين من هذا الكرب وشراك هذه الحرب، إلا بالإخلاص في الولاء لليمن، واتحاد أيدي اليمنيين وكلمتهم في جبهة استعادة استقلال القرار والإرادة والسيادة والإدارة عن هوان الوصاية ومهانة الهيمنة.

أترك تعليقاً

التعليقات