فلسطين والوهابية والإخوان
 

محمد ناجي أحمد

انشغل الإخوان المسلمون والوهابية السعودية تربوياً بتكريس وتعزيز الانتماءات المحلية من خلال ما سموه (الثقافة الإسلامية) التي كانت ومازالت مدخلاً أيديولوجياً في الجامعات الخليجية واليمنية، يعدّون من خلال هذا المقرر الأجيال لتكون في حالة عداء ونفور من الانتماء القومي، مع ربطهم بانتماء أممي عقدي متجاوزاً للمنافع والمصالح الوطنية والقومية.
لهذا بنيت المعاهد العلمية التعليمية، وهي معاهد دينية وهابية، في البلدان الخاضعة لنهجهم، على أساس الولاء والبراء، وتوحيد الألوهية، الذي بنى عليه محمد بن عبد الوهاب دعوته، وتوحيد الحاكمية الذي بنى سيد قطب على أساسه معالمه على الطريق، وظلاله التي عكست نفسها في النهج الإخواني المعادي للوطنية والقومية وللمجتمع والحاكم. وحين عمل محمد قطب، الأخ الأصغر الذي تربى على نهج ومنهج أخيه، مدرساً في السعودية، مزج بين الوهابية وفكرة الحاكمية التي جاء بها سيد قطب، فكانت (جاهلية القرن العشرين) وغيرها من مؤلفات (محمد قطب) دمجاً لـ(توحيد الألوهية) بـ(توحيد الحاكمية) في تكامل بين توحيد العقيدة والشريعة، وتداعى الإخوان السوريون والعراقيون واليمنيون وغيرهم الذين أقاموا في السعودية طيلة عقدي الستينيات والسبعينيات، لينظّروا في هذا المنحى، من سعيد حوى في (جند الله) ومفهوم الربوبية والربانية، إلى منطلقات (محمد أحمد الراشد) و(الإسلام الحركي) لسعيد حوى، وكتاب التوحيد الذي ألفه عبد المجيد الزنداني لتلاميذ المدارس في اليمن.. إلخ.
ولأن البعد الوطني والقومي منفي في خطاب إخوان الوهابية والإخوان المسلمين، فلقد كانت رؤيتهم للصراع العربي الإسرائيلي تنطلق من رؤية ماضوية تقاتل (اليهود) في (خيبر)، مهددة ومنذرة لهم بعودة (جيش محمد).. لهذا كانت المقررات الدراسية في السعودية تتحدث عن عدو يهودي تصارعه داخل التاريخ، وتتواطأ معه ككيان صهيوني على أرض الواقع! ولهذا توالت مواقفها المهرولة نحو دفع العرب للاستسلام، ابتداءً بتشجيع أنور السادات في طريقه إلى الكنيست الإسرائيلي، ومبادراتهم في 79م،81،82م، وصولاً إلى مبادرة السلام التي قدمتها السعودية في القمة العربية المنعقدة بلبنان عام 2003م!
لقد عقد العرب عدة مؤتمرات بخصوص القضية الفلسطينية، منها: مؤتمر إنشاص 28/5/1946م، ومؤتمر بلودان 8/6/1946م، ومؤتمر لندن، وقد كانت أهم قرارات هذه المؤتمرات: تهديد مصالح بريطانيا والولايات المتحدة، الاقتصادية والنفطية، وذلك بعدم السماح لهما ولرعاياهما بأي امتياز اقتصادي، وعدم تأييد مصالح الدولتين في أية هيئة دولية، والنظر في إلغاء ما لهما من امتيازات في البلاد العربية، ورفع شكوى ضدهما إلى مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة.. لكن الكيان السعودي عمل على النقيض من هذه القرارات، وكان سنداً للولايات المتحدة وبريطانيا، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، ولو تعلق الأمر بتذليل العقبات التشريعية والمالية التي تعترض الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وفي ما ذكره جيمي كارتر في مذكراته عن إخلاص السعودية لأمريكا وسعيها الحثيث لإرضائها، ما يؤكد هذه المسلمة!
لقد عملت الرجعية العربية، وعلى رأسها السعودية وجماعة الإخوان المسلمين، على إحالة أسباب نكبة 1948م إلى بعد المسلمين عن الله، والحكم بغير ما أنزل الله، وإلى الذنوب والمعاصي، فكانت انتصارات الكيان الصهيوني عقاباً إلهياً وتحقيقاً لمشيئة إلهية! وتم طمس وتغييب الأسباب الحقيقية للهزيمة، فالغرب رفض تسليح العرب، وسلح إسرائيل، وكان عدد وعتاد الجيش الإسرائيلي 70 ألفاً مقابل 15 ألفاً للقوات العربية، وتواطؤ بريطاني مع الكيان الصهيوني، وعدم انسجام وغياب وحدة القيادة العربية، والخلافات بينهم..!

أترك تعليقاً

التعليقات