أزمة المثقف اليساري في اليمن
 

أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا-

يعاني اليسار اليمني من أزمة مُركبة، جعلته خارج الزمن اليمني داخل خنادق الامبريالي والخليجي. وهي أزمة معرفية، وتنظيمية، وقيمية، مترابطة. فعلى المستوى المعرفي هناك قصور في منهج التفكير ذاته لدى اليساريين، فمع انهيار الاتحاد السوفياتي وتسيد نظام العولمة الامبريالية كقطب أوحد، حدثت انتكاسة لمثقفي اليسار، حيث تجاوز تنكرهم للتجربة السوفياتية، ووصلوا إلى التخلي عن المنهج الماركسي اللينيني، والذي هو مكسب إنساني؛ فوجدنا المثقف «اليساري» يقدم تحليلات مناطقية وطائفية للصراع الاجتماعي الديمقرطي، الثوري، التحرري، وخاصة في المرحلة من ثورة 21 أيلول 2014م وصولاً إلى العدوان الراهن. 
الخطاب المناطقي الطائفي الذي تسوق له بعض النخب اليسارية وتُلقنه قواعدها وقطعانها، يتسق مع المصالح الأنانية لقيادات هذه الأحزاب، والتي لم تعد تنتمي للقضايا الاجتماعية، ولذا فهي ترفض أي تأويل اجتماعي للصراع يجعلها مسؤولة أخلاقياً وحزبياً عن الدفاع والتضحية في سبيل مصالح قوى اجتماعية كادحة ومنتجة، كما تنص عليه أدبياتها والإرث التاريخي لأحزابها. 
تهافت مثقفو اليسار إلى المنتصر الغربي، لاستيعاب معاييره عن الثقافة والسلوك، والحياة، والعلاقات الدولية، فاعتبروا الغاية النضالية هي انتصار «الحداثة» في مظاهرها الاستهلاكية وخدماتها المدنية لشريحة اجتماعية بسيطة داخل المدن قادرة على شراء هذه الخدمات، وليس لسواد الشعب الأعظم في الريف والمدينة؛ فبرز شعار: «الدولة المدنية» في 2011م من قبل هؤلاء كحرب مصطلحات تستهدف الوعي وتمنع تبلور شعارات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية الوطنية التي تنتمي لنهج ثوري وطني يتعارض مع النهج الانتهازي الاستسلامي التساومي لنخب هذه الأحزاب.
ورغم أن الحداثة والتحديث ليست قضية كالعدالة الاجتماعية، إلا أنهم لا يسعون للحداثة عبر التقدم الصناعي والعلمي والتنمية الشاملة، بل يتوهمون تحقيق عملية التحديث بمعاداة كل ما هو ديني وريفي ولو كان هذا الريفي المتدين يدافع عن قضية الوطن وحرية الشعب، وفي مواجهة عدو تاريخي بالغ الرجعية وخطر استعماري تترسخ مظاهره في المحافظات الجنوبية والشرقية اليمنية.
وأما الجانب الآخر من الأزمة، فهي أزمة التنظيم الحزبي ذاته، حيث تعيش أحزاب اليسار القومية والاشتراكية في اليمن أزمة تنظيمية عميقة لم يعد بالإمكان إطلاق صفة التنظيم على هذه الأحزاب التي تنكرت لوثائقها التأسيسية وبرامجها السياسية (غير الناجعة أصلاً) وأنظمتها الداخلية، بل غدت دكاكين غير ديمقراطية تفشت فيها الشللية والمحسوبية والصنمية، فهي التي كانت في المعارضة غدت نسخة سيئة عن الحزب الحاكم، فهذه الأزمة التنظيمية الحزبية دمرت الوعي والموقف، وأفسدت الجيل الشاب المتحمس، وحولت حسابات القيادات الحزبية، فعولت على قطف ثمار التغيير وتداول السلطة من شبابيك سفارات الدول الأجنبية وأساطيلها، وفقدت الإيمان بالجماهير الشعبية، فحين اصطفت الجماهير ضد العدوان الأجنبي، هزئت القيادات الحزبية والنخب الحزبية ومثقفوها من موقف الجماهير التي تجابه أمريكا وبني سعود، وهو موقف يشبه سخرية مشركي قريش من بلال الحبشي وعمار بن ياسر! لكن يوم الفتح آتٍ..

أترك تعليقاً

التعليقات