محمد طاهر أنعم

محمد طاهر أنعم / لا ميديا -

وسخر عشرات الكتاب السعوديين والإماراتيين وغيرهم صفحاتهم الشخصية في التواصل الاجتماعي، وكذلك مقالاتهم في الصحف، ومقابلاتهم التلفزيونية والفيديوهات المسجلة على اليوتيوب وغيره، سخروها لقضية التقارب مع اليهود، وأنه أمر لا بد من إعادة النظر فيه، وأن لليهود حقا في أرض فلسطين باعتبار أن أجدادهم كانوا يقيمون هنا وكانت لهم دول من أيام مملكة داود وسليمان!!
كما يتحدث البعض عن أن اليهود مثلهم مثل غيرهم من الشعوب، ففيهم الطيب والسيئ، ولا يجوز الانسياق لما يفعله بعض المتشددين من عداء دائم لهم، ورفض للتعامل مع دولتهم المسماة "إسرائيل"!!
وأيضاً تحاول مجموعة من أولئك الإعلاميين تجذير مفهوم تعمل عليه بعض الأنظمة العربية الفاسدة والعميلة للولايات المتحدة، وهو مفهوم أن "إسرائيل" أقل خطراً من بعض الدول العربية والإسلامية الأخرى، مثل إيران وقطر وسوريا واليمن وغيرها، وأنها لم تهاجم السعودية أو الإمارات ولم تفتعل لهم المشاكل أو الحروب زلم تتدخل في شؤونها، ولذلك فهي أولى بالعلاقات الإيجابية، بغض النظر عن الدين أو قضية فلسطين التي تخص أصحابها دون غيرهم من الدول العربية والإسلامية الأخرى.
كل هذا التحرك الإعلامي يأتي مصحوباً بتوجيه عداء مرتب ومنظم ومقصود ضد دول وشعوب وتوجهات عربية وإسلامية أخرى، من أجل تهييج الشعوب ضدها، وإشعارها بأن الخطر إنما يأتي منها، وهذا يبدو بشكل جلي أنه عمل ممنهج ومنظم، توجهه أجهزة استخباراتية عربية وخارجية للوصول للنتيجة المطلوبة في تهيئة قطاعات واسعة في بعض الدول العربية من أجل تقبل التطبيع مع اليهود نفسيا واجتماعيا.
ولهذا التوجه المتصاعد في الدعوة للتصعيد مع الكيان الصهيوني مخاطر متعددة، من أبرزها ما يلي:
• أنه مخالف لأساسيات وتعاليم الدين الإسلامي، حيث امتلأ القرآن الكريم والسنة النبوية بالتحذير من اليهود وموالاتهم، والتنبيه إلى مكرهم وخبثهم وسعيهم في الأرض فسادا، وأذيتهم الدائمة للأنبياء والمؤمنين والبشرية جمعاء، ومحاولة اغتيالهم للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وتآمرهم على الدولة المسلمة التي أسسها في المدينة، وتآمرهم مع الأعراب في غزوة الخندق لمحاولة اجتياح المدينة وتدميرها، وكل هذه الإشارات دليل على أن الشر والخبث متأصل في هذه الأمة الفاسدة الخبيثة، التي وصل تعديها إلى رب العالمين فاستحقت لعنته، كما قال عز وجل: {وقالت اليهود يد الله مغلولة، غلت أيديهم، ولعنوا بما قالوا، بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}، وعصوا أنبياءهم واعتدوا حتى لعنوهم: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
• أنه يتنافى مع حقائق التاريخ، التي تؤكد عداوة اليهود للجنس العربي، واحتقارهم له، وصدامهم الدائم معه، سواء في التواريخ القديمة منذ قبل الإسلام حين قدم بعض اليهود إلى يثرب، وكانوا يهددون العرب بأنه سيأتي نبي آخر الزمان وسوف يقفون معه حتى يقتلوا العرب وينهوهم، وكانوا يظنون أنه سيكون من بني إسرائيل منهم، ففوجئوا حين انبعث من العرب، فكفروا به رغم أنهم كانوا يستفتحون وقت مجيئه على الوثنيين، كما حكى الله عز وجل في كتابه الكريم: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، فلعنة الله على الكافرين). أما في العصر الحاضر فعداوتهم للعرب معلنة، وتدخلاتهم في الدول والشعوب العربية وتحريضهم ضدهما، وحروبهم العسكرية المتكررة معهما منذ 1948 تاريخ إعلان دولتهم المزعومة، مرورا بـ56، و67، و73، و82، و2006، والآن، إضافة إلى مؤامراتهم السياسية والاقتصادية على الدول العربية والإسلامية.
 •أنه خذلان للقضايا العربية، وكذلك للشعوب العربية والمسلمة، والتي بنت أحلامها وتطلعاتها على طرد الكيان الصهيوني من أرض فلسطين العربية المسلمة، وتمت تربيتها في مناهجها التعليمية ومساجدها وندواتها السياسية وعملها النضالي على أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة، وأن الارتباط الوجداني بها هو دليل على صدق الانتماء وأصالة الهوية.
وكل هذه المخاطر وغيرها تقتضي ضرورة مواجهة هذه الدعوات للتطبيع الآثم، قبل أن يستفحل شرها، وتزداد تداعياتها السلبية، والتي من أبرزها:
 • الانقسام الشديد في الشارع العربي والإسلامي.
 • ازدياد المؤامرات الصهيونية وتغلغلها داخل جسم الأمة.
 • ضياع هوية الأمة، ونشوء هويات جديدة تحاول إدخال دويلة "إسرائيل" فيها، مثل هوية الشرق الأوسط الجديد.
 • نشوء تحالفات مع الدولة الصهيونية وحليفها الأمريكي ضد عدد من شعوب الأمة العربية والمسلمة.
 • تقديم عدد من العملاء من الحكام والمسؤولين وجعلهم في صدارة الأمة بدعم غربي وصهيوني لقبولهم بمهام التطبيع، وسيقودون الأمة للضياع والفساد.
ويجب مواجهة هذه الموجة التطبيعية الخطيرة والمدعومة من بعض الأجهزة الاستخباراتية العربية والغربية والصهيونية، ومن أهم وسائل المواجهة ما يلي:
أولا: إحياء الانتماء للهوية الإسلامية، وربط الأمة بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ومعرفة عدوهم الحقيقي، والشعور بمكره وخبثه وشره وفساده عبر التاريخ وفي الوقت المعاصر.
ثانيا: الدعوة إلى وحدة الأمة العربية والمسلمة، ورفض دعوات التفرقة السياسية والحزبية والمذهبية والطائفية والمناطقية والعرقية، فهي المدخل المهم للتفكيك لصالح الأعداء تحت قاعدة "فرق تسد" الاستعمارية المشهورة.
ثالثا: تنمية القوة العسكرية للدول العربية والمسلمة، استعدادا لمواجهة أي عدوان صهيوني أو غربي أو من عملائهم، وتوجيه الشباب القادر على حمل السلاح، والتدرب عليه، ليكونوا قوة احتياطية جاهزة في حالة أي عدوان أجنبي، ولتصير الدول والشعوب العربية والإسلامية رادعة للأطماع الصهيونية والغربية.
رابعا: التوعية السياسية والاجتماعية للشعوب العربية والمسلمة، بمخاطر التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأنه ليس شعباً عادياً، وإنما مجموعة عصابات ولصوص سطو على أرض غير أرضهم، وأملاك غير أملاكهم، وطردوا شعباً مسالماً عريقاً، واعتدوا عليه، ولا يجوز التعامل معهم كشعب سوي.
خامسا: مواجهة المنافقين من عملاء الصهاينة وأعداء الأمة، من الحكام والمسؤولين والسياسيين والإعلاميين والمرشدين في الدول العربية والمسلمة، والرد عليهم، وبيان فساد دعواتهم، وخطورة المفاهيم التي يحاولون تسريبها للشعوب بشكل متكرر.
كل هذه التحركات والأعمال تحتاج إلى تكاتف المصلحين والصادقين في الشعوب العربية والمسلمة، وتقاربهم وتفاهمهم، وترفعهم عن الصغائر وعن الخلافات السياسية والحزبية وغيرها، والنظر إلى القواسم المشتركة، والإحساس والاستشعار بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عواتقهم في هذه الفترة.
وهذا الأمر بعد الاستعانة بالله، والتوكل عليه، والتمسك بأوامره وتجنب نواهيه، والاقتداء بالنبي الأعظم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين.

أترك تعليقاً

التعليقات