قبل العدوان
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -

كانت الحياة جميلة والثقة متوفرة، يمتلك أحدنا الثقة حتى داخل بيته حين يطلبون منه أي شيء.. لا يبالي بأي نقص في مصاريف المطبخ، أو متطلبات البيت.
بالتأكيد لم نكن نحيا حياة مثالية بما تعنيه الكلمة، فقد كان الوضع الاقتصادي سيئاً جداً، لكن لا مقارنة بما نحن عليه اليوم بعد عدوان بني سعود وعيال زايد على اليمن.
لم نكن نمرض كثيراً كما هو الآن، ولا نعرف الأزمات الطارئة، فقد كان هناك فائض ومدخرات ولو قليلة، حتى السيارة لم تكن تتعطل.. فقد كنت أحياناً أقوم بتغيير بعض القطع قبل انتهاء عمرها الافتراضي، لأشعر أن "لسيارتك حقاً عليك".
هل بالضرورة أن يترافق الموت مع خراب الديار.. وأن يتزامن المرض وتتفشى الكوليرا وحمى الضنك والمجاعات والقتل المجاني وتطل المشاكل برأسها ورجليها مع العدوان؟ نعم.. لأن هذا العدوان ليس لقتلنا فقط، بل لحصارنا وتجويعنا، لغرض أن تنفلت الأمور الاجتماعية والأمنية وتسوء الحياة أكثر.
منذ أن انقطعت المرتبات أصبحت الكوارث تهطل فجأة كالمطر بين كل حين وحين.. صرنا نخشى كل شيء، حتى أسطوانة الغاز نخشاها رغم أنها فارغة، ونتأكد أننا أقفلناها قبل أن ننام.
حتى الشمس.. نخشى لو حجبتها الغيوم عن ألواحنا الشمسية.. نخشى البطارية أن تفقد قوتها.. نخشى أن يتصل بنا صديق ويدعونا للمقيل إن كانت المسافة بعيدة قليلاً، فقد لا يكفي البنزين للوصول إلى هناك.. نخشى أن يفاجئنا ضيف ونحن غير مستعدين، فنختبئ خلف المثل القديم "ارحب على الحاصل"، أو نردد مقولة: "ما يتكلفوا إلا لعدو".
كنا نفرح بالمطر لترخص الخضار والفواكه والقات.. الآن نتذمر حين يهطل المطر، لأننا لن ننعم بالضوء طوال الليل من البطارية.
وحين يمر صاحب عربية الغاز من الشارع ويدق أسطوانة الغاز ويصيح: الغاز.. الغاز.. كان الناس يخرجون رؤوسهم من النوافذ ليشتموه ويقولوا له: خلينا ننام يلعن أبو ......
الآن صرنا نحلم بذلك الصوت المزعج.. ويتعذر تحقق هذا الحلم.
حتى ذلك الرجل الذي كان يمر في كل شوارع صنعاء وهو يصيح: يا عظيم الرجاء، صاحب البيض جاء، لم نعد نسمعه.
ترى أين اختفى صاحب البيض؟

أترك تعليقاً

التعليقات