دماء الأبرياء ستغرقكم
 

يسرية الشرقي

يسرية  الشرقي / لا ميديا -

ها هي تصحو باكراً كعادتها كل يوم، حاملة معها رغيف خبز لتتشاركه مع صديقاتها في باحة المدرسة، بينما أخرى تحلم بقطعة سكاكر تهديها لها معلمتها لأنها حفظت النشيد الوطني، وثالثة تسرع الخطى شوقاً لتقديم الإذاعة المدرسية، تلك هي أحلام بعض فتيات مدرسة الراعي في سعوان، أحلام اغتالتها صواريخ الموت دون إنذار مسبق.
لازلت تلك الطفلة تبحث عن كتابها بين الركام المتطاير، وتنفض الغبار عن صديقتها بعد أن أغشي عليها من الخوف، تتفقد أصابعها وتتلمس وجهها البريء خوفاً من أنها ربما فقدت شيئاً وسط كل هذا الموت المحلق في سماء المدرسة، بدأت تبحث عن باقي صديقاتها، كل شيء من حولها أصبح بلا ملامح.
كعادتها الصواريخ الغادرة تضرب دون حياء أو مراعاة لأي جانب إنساني، فقد نزعت من القتلة كل القيم الإنسانية والأخلاقية.
ما ذنب تلك الطفلة البريئة التي فقدت ساقها؟ وما ذنب تلك الأم التي خرجت لتشتري خبزاً تسد به جوع أطفالها عقب عودتهم من المدرسة، فلا عاد أطفالها من المدرسة، ولا هي عادت من السوق؟ حتى الشارع لم يعد كما كان، كل شيء أصبح ضبابياً من شدة القصف.
تلك العجوز التي كانت تتدفأ على الرصيف، صاحب التاكسي المار في الشارع، وبائع الحلوى عند بوابة المدرسة، وشابة جميلة تمشي بالقرب من مصنع البلاستيك، كل هؤلاء لم يكونوا يحملون بندقية أو صواريخ باليستية، جميعهم يحملون ذنباً مشتركاً، وهو أنهم أبناء بلد الإيمان والحكمة، ذنبهم حماقة الأعداء وظلم القريب قبل البعيد.. السيدة العجوز على الرصيف لا أظنها الليلة ستشعر بالبرد، فهي في جوار ربها، بائع الحلوى لن تجديه يا صغيرتي عند بوابة المدرسة غداً، أظنه سيكون في بوابة الجنة يستمتع بظلالها وكرم رب كريم.
أنا أيضاً لا أحمل دبابة ولا أحمل حتى سكيناً، أحمل قلماً وورقة لأسطر كل شيء، حين حملت قلمي وذهبت لأوثق الحقيقة، بحثت بين ركام الموتى عن صواريخ باليستية، بحثت بين الدفاتر والأقلام المدرسية عن صواريخ بعيدة المدى، فلم أجد سوى الجرم المعتاد! لم أجد سوى جريمة تجردت من كل معاني الإنسانية، بشاعة الجلاد وجرمه الذي لن ننساه حتى ولو محته ذاكرة التاريخ، سيبقى في ذاكرتي لأنقله عبر جيناتي إلى أحفادي حين يتساءلون عن الحقيقة سيجدونها في دمائهم، وسيعلمون أن اليمن كانت حرة وستبقى.. سيدركون أن الظلام لا يدوم ولو سار عمراً على أعمارنا.. نصارع الموت ليحيا الوطن.
تخونني العبارات وأتلعثم في الكلام وأعجز عن وصف ما يحدث، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنني لا أعي ما يحدث، فنحن من شدة ما نتعرض له من عدوان قبيح أطبق علينا صمت يصم الآذان، ويحرق أرواحنا المنهكة من قسوة الأخ وظلم الجائرين وبشاعة المنظر.
في كل مرة أرى فيها صور أشلاء الأبرياء التي مزقتها صواريخ العدوان، أتساءل: كيف لمرتكبي هذه الجرائم أن يهنأ لهم نوم؟! وكيف لتجار الحروب أن يعيشوا دون أن يشعروا بعذاب الضمير؟!
أتخيل أرواحاً تطاردهم إلى غرف نومهم الفارهة، وتنزع النوم من أعينهم.. هل حقاً تجردوا من ضمائرهم، فأعماهم الحقد على وطني الحبيب. 
في ليلة الموت تلك أعلنت قنوات تحالف العدوان أنه شن غارات على مواقع عسكرية لما تسميهم الحوثيين، وكعادة هذه القنوات كانت ترسم انتصارات وهمية للتحالف الإجرامي، انتصارات على أشلاء القتلى، كما حدث في جريمة القاعة الكبرى بصنعاء، أو على جثث النساء في مجزرة قاعة سنبان، أو استهداف مراكب الصيادين في عرض البحر وهم غافلون، أو حافلة طلاب في ضحيان صعدة، كل يوم يرتكب العدوان المزيد من الحماقات التي تكبر شيئاً فشيئاً، ويتحدث عنها كانتصارات، بينما هي لا تعبر سوى عن مدى ما وصل إليه من فشل وعجز.
فهنيئاً لكم أيها القتلة كل هذه الدماء البريئة التي تريقونها حقداً وعبثاً، لكن اعلموا جيداً أن كل هذه الدماء ستغرقكم يوماً ما، وستكون السبب في هلاككم، وذلك ليس على الله بعزيز.

أترك تعليقاً

التعليقات