يوسف صلاح الدين

يوسف صلاح الدين / لا ميديا -

النحات الذي أبدعت أنامله التمثال الوحيد ذائع الصيت لرأس "عبدالله البردوني"، داعشي.
هذا هو الخبر وفي تفاصيله المزيد مما سيصدم مشاعر كثيرين يضعون مجسَّم الرأس البديع "بروفايلاً" وواجهة شخصية على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
التمثال الذي يُجسد بصورة ملهمة انفعالات وجه الشاعر الكبير الراحل، ذاع محلياً وعربياً، لكن صاحبه ظل مغموراً حتى اللحظة، ويؤكد بعض معارفه: "لو ظفر وليد بالبردوني حياً اليوم لما تردد في قطع رأسه بوصفه رافضياً يسبّ الصحابة وأمهات المؤمنين"!
وُلد "وليد دلة" وترعرع في حي "نورية"، أحد أحياء مدينة تعز القديمة، عام 1973م، لأسرة متواضعة مهووسة بالفن... أبوه كان عازف بوق في فرقة القراب الموسيقية العسكرية. وبالتوازي مع هوس الصبي بالرسم والنحت ومجالسة ذوي الخبرة في هذا المجال، كان كحال كثيرين من أقرانه في المدينة القديمة، مولعاً بالانخراط في العراكات حد ذيوع اسمه كأحد أبرز "فتوات المدينة".. ولفترة توارت ريشة الرسام وإزميل النحات خلف العصا والسلاح الأبيض، في تجاور جدلي انتصر خلاله الفن حيناً والنزوع للعنف أحياناً..
التحق "وليد دلة" في صفوف العصابات التكفيرية والمرتزقة التابعة للتحالف، مع بدء العدوان على اليمن في 26 مارس 2015..
يقول "م.ش" أحد جيرانه في الحي: "الغريب أنه لم يحمل سلاحاً، ولم ينخرط في المعارك الدائرة، رغم أنه يتبنَّى نفس الخطاب العنصري الطائفي للعصابات، ويمقت الحوثيين بشدَّة"!
في العام 2002 حصد وليد جائزة رئيس الجمهورية بالمناصفة عن تمثال "رأس البردوني" الأبيض المنحوت من "الجص"، والذي أنفق في نحته قرابة العام، حيث حطمه مراراً ليعيد تكويره متلافياً العيوب، إلى أن أخذ شكله المثالي الأخير المعروف حالياً.
في المدينة القديمة وفرة معطيات يمكن تأليف إجابة شافية من خلالها للسؤال: كيف انتهى الحال بفنان كــ"وليد" ناشطاً في صفوف التكفيريين؟!
هناك على الأقل 7 أشخاص من أقران وليد القاطنين في الحي ذاته، لايزالون يرزحون خلف أسوار "معتقل غوانتانامو" منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان في 2001، عدا المئات من الذين تتلمذوا في معاهد الوهابية سيئة الصيت من "معبر إلى دماج وكتاف"، ليلتئموا اليوم في ما يسمى "كتائب أبو العباس السلفية وفصائل إخوانية أخرى" تابعة لتحالف العدوان..
غير أن شاهداً مطلعاً على سيرة "دلة" يشير إلى عامل آخر كان حاسماً وراء انزلاق الفنان إلى مستنقع التكفير...
يقول "خ.ع": "علاقة دلة الحميمة بخالد الرويشان، ومن ثم نشاطه في ساحة صافر إبان أحداث انتفاضة 2011، أسهمت كثيراً في دفعه إلى هذا المنزلق".
كان "الإصلاحيون" قد وعدوه بـ"منصب كبير في وزارة الثقافة التي يعمل موظفاً فيها، غير أن اندلاع ثورة 21 سبتمبر 2014 أفسد نشوته بالوعد، وقطع رجاءه في تحقيقه -حسب ما كان هو يردد- ولعل هذا هو سر كراهيته الشديدة للحوثيين"..
يمكن القول إن "الرويشان" كان بالنسبة لـ"وليد دلة" بمثابة "أحمد الأسير" بالنسبة للفنان اللبناني "فضل شاكر".. وكما تباهى هذا الأخير بقطع رأس ضابطين من ضباط الجيش اللبناني، في تسجيل مصور شهير له عام 2014، فإن "دلة" الذي كوَّر "رأس البردوني" من "الجص الأبيض"، لا يأسف اليوم حين يشاهد التكفيريين والمرتزقة يدحرجون رؤوس من يسمونهم "الروافض والمجوس" على الإسفلت، ويسحلون ويصلبون جثث قتلاهم..
شاهد "وليد" أحجار "مسجد وضريح عبدالهادي السودي"، أحد أقدم معالم المدينة القديمة، تتطاير في الهواء بديناميت عصابات التحالف الوهابية، وقبل ذلك رفات السودي وهو يذرى رميماً خارج مثواه، وعوضاً عن أن ينحت مجسماً لهذا المعلم، كان يهلل لمحوه من ذاكرة المكان، متشفياً في صاحبه بوصفه "رافضياً"..
لقد انتصر الساطور على الريشة والإزميل بلا هوادة، وأطاح التكفيري برأس الفنان الذي نحت يوماً ما رأس أعظم شعراء اليمن!

أترك تعليقاً

التعليقات