أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

بناء الدولة اليمنية الحديثة كانت مهمة حكومة الوحدة 1990م والفترة الانتقالية، حيث ارتبطت الوحدة بالديمقراطية، وبدمج نظامين اقتصاديين (رأسمالية طفيلية في الشمال واشتراكية متعثرة في الجنوب) ينتج عنهما اقتصاد السوق الاجتماعي، إلا أن حرب 94 دمرت هذا المسار، وفي التعديلات الدستورية غير المشروعة التي تلت الحرب تم الانقلاب على تلك الرؤية. 
مع طرح المجلس السياسي الأعلى رؤية وطنية لبناء الدولة، تعود مجدداً نفس التساؤلات والنقاشات التي جاءت مع الوحدة اليمنية، ومن أروع المقاربات لبناء الدولة -من وجهة نظري- هي تلك الرؤية التي وضعها محمد حيدرة مسدوس عام 1992م (معبرة عنه لا عن طرف سياسي)، ففي عام 90 كان برنامج الحكومة ورؤيته خاضعين للتوافق والمحاصصة بين "المؤتمر" و"الاشتراكي" أكثر من خضوعها للمتطلبات الموضوعية. وكثير مما طرحه مسدوس في برنامج قبل أكثر من 20 عاماً، مازالت له راهنية، فمنذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية لم يحدث أي تمرحل تاريخي يجعل الدولة اليمنية متجاوزة لمتطلبات البناء والإصلاح التي طُرحت آنذاك. 
 طرح مسدوس مقدمة نظرية لبرنامجه "برنامج الإصلاح الذي تمليه الحياة في اليمن"، أن الدولة من الناحية العلمية هي نتاج العلاقة بين العام والخاص، فلا خاص دون عام ولا عام دون خاص، فالمجتمع يتكون من أفراد وجماعات، وبالتالي فإن هذه الأجزاء المكونة للمجتمع هي التي تؤدي الوظائف الخاصة للمجتمع، وهذه الوظائف الخاصة المُبعثرة لا بد لها من جامع يجمعها وينظمها في كل كلي واحد، وهذا الجامع هو الدولة، والمُحرك لهذا الجامع هو الحكومة. 
مما يعني أن التفكير السياسي المطلوب هو التفكير الذي يجب أن يدرك ويعترف بأن عملية إنتاج الخيرات المادية لا بد أن تقوم على قانون فائض القيمة كقانون اقتصادي أساسي للتطور، وهذا لا يتم إلا عبر نشاط المجتمع كأفراد وجماعات في إطار ما ينظمهم، وهي الدولة. 
وفي معالجته للعلاقة الجدلية بين العام والخاص، فما هو عام في الاقتصاد الوطني هو ما لا يستطيع أن يقوم به غير الدولة عبر موظفيها وبالاستعانة بالأفراد، وما هو خاص في الاقتصاد الوطني هو ما يستطيع الأفراد القيام به دون مساعدة الدولة. وهكذا يتحدد أن الوظائف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الموضوعية للدولة تتحدد بالضبط في ما هو عام، إضافة إلى ما هو مشترك بين الخاص والعام. مع التأكيد على حقيقة أن عدالة التوزيع غير ممكنة بدون تدخل الدولة، وتحقيقها يتوقف على ما هو عام في الاقتصاد الوطني، وليس على ما هو خاص. 

الإصلاحات العملية في برنامج مسدوس:

 • تقسيم جهاز الدولة إلى مستويين؛ أحدهما سياسي، والآخر إداري وفني، بحيث حدد المستوى السياسي من منصب نائب وزير فما فوق، وهو المستوى القابل للتغيرات السياسية.
 • يحدد المستوى الإداري والفني في ما دون ذلك، وهو المستوى غير القابل لأي تغيرات سياسية، وإنما يخضع فقط للكفاءات العلمية والخبرات العملية، ولا بد من إعادة توزع الكادر فيه على هذا الأساس.
 • العمل على شطب الحلقات الإدارية الوظيفية الزائدة، في جهاز الدولة التي لا ضرورة لها في التقسيم الإداري للعمل، وكذلك دمج الإدارات والأجهزة المتماثلة في وظائفها في إدارات وأجهزة موحدة في جميع مستويات جهاز الدولة من الأعلى إلى الأدنى، بهدف تقليص جهاز الدولة المتضخم. 
• منع أي إنفاق من المال العام مهما كانت المبررات إلا في إطار ما يصادق عليه مجلس النواب فقط.
• العمل بجدية على الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. 
• إصلاح وبناء السلطة العليا لن يكون مكملاً إلا بإصلاح وبناء السلطات المحلية، يتحدد في وجود جهاز تنفيذي يقوده المحافظ ومدير كل مديرية، ومجلس محلي منتخب يقوم بالإشراف والرقابة على أداء المحافظ ومدير المديرية، ويتكيف ذلك مع الرقابة الصرامة العادلة. 
• نقل النشاط التنفيذي والبرامج التنفيذية إلى المحافظة كما هو مبين أعلاه، سوف يؤدي إلى تفرغ الوزارات والهيئات المركزية المختلفة، لوظيفتها الحقيقية، وهي التخطيط وتشريعاته والمراقبة على التنفيذ، كما سيؤدي إلى نقل كادر الوزارات والهيئات المركزية المختلفة إلى العمل الميداني في المحافظات. 
• نقل النشاط التنفيذي إلى المحافظات يتطلب من أجهزة الدولة استيعاب وظائفها ومهامها دون ازدواجية.
• المستوى الإداري مسؤول عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في نطاق مسؤوليته.
• أجهزة حماية الشرعية (الدستورية-الثورية) المتمثلة بالقضاء والنيابات، مسؤولة عن الفصل بين النزاعات.
• الشرطة والأجهزة الأمنية، ذراع تنفيذية للقضاء والنيابات.

أترك تعليقاً

التعليقات