أُهْكُومــــة!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيــم / لا ميديا -

"الأُهْكُومة" في لغتنا العربية هي السخرية والاستهزاء. و"الهَكِم" هو الشرير المقتحم على ما لا يعنيه. و"الهَكَّم" الداخل في ما لا يعنيه. وهذا هو حال "حكومة هادي" وحال "حكم الشرعية"؛ تستهزئ بشعب تزعم أنها حكومته الشرعية، وتسخر منه بزعمها هذا، وبتمثيلها به لا تمثيلها له، إذ هي آخر من يهتم لأمره!
يبحث المرء في هذه البلاد، وربما في خارجها أيضاً، عن شاهد واحد، قرار واحد، إجراء واحد، لحكومة هادي يؤكد من قريب أو حتى من بعيد أنها "حكومة"، بمعنى حاكمة شؤون شعب ودولة، راعية لهما، كافلة لحقوقهما وصائنة لمصالحهما، وقائمة بالفعل على تلبية حاجاتهما للبقاء، مجرد البقاء، النقيض للفناء، لا النماء!
لا يجد المتابع شيئا من هذا، حتى الموالي لصفة هادي أو حتى شخصه، فيزداد وجعا على وجعه. أن يكون من يدعي أنه حاكم لك غير مكترث لأمرك، ولا آبه لحالك، أو مهتم بك! وجع ما بعده وجع! فهو يعيش في بحبوحة وترف "فنادق 7 نجوم"، متخما بنعيم الحياة، وشهي الطعام، وتكييف المقام، ونيل المرام، على حساب جوعك ووجعك!
خذوا مثلا على هذا الاستهزاء السافر وشاهدا على هذا الاستهتار الفاجر! الأمران الوحيدان البارزان في أداء "حكومة هادي" حيال موجبات وجودها، والسمتان الطاغيتان على حال واجبات صفتها، مسألة رواتب موظفي الجهاز المدني والعسكري للدولة، التي تزعم هذه الحكومة أنها سلطتها الشرعية!...
هل يستقيم حتى نظريا، ومهما كانت الظروف، أن تقطع حكومة ما رواتب مليون ونصف مليون موظف وموظفة يعيلون نحو 10 ملايين إنسان مواطن في هذه الدولة، وأن تفعل ذلك عمدا لا عجزا، وعقابا لثلث الشعب الذي تزعم أنها "حكومته الشرعية"، فقط لأنها لا تسيطر على المحافظات التي يقطنون فيها، رغم أنها تكدر عيشها؟!
سخريات لا تحدث ولا تستمر إلا في اليمن، ومن "حكومة هادي"، التي كسرت كل نواميس الحكم، وامتهنت كل معاني الحكومة، وبددت كل مظاهر الدولة، وبالطبع خرقت كل مرجعيات الحكم، بدءاً من الدستور النافذ، ومرورا بالقوانين النافذة، وانتهاء بإرادة الشعب، مالك السلطة وواهبها ومصدر شرعية الحكم!
معلوم أن الرواتب ظلت تصرف في موعدها من البنك المركزي اليمني في العاصمة صنعاء لموظفي الدولة جميعهم بلا استثناء، في محافظات سيطرة سلطة "اللجنة الثورية" ومحافظات سيطرة التحالف و"حكومة هادي"، حتى نهاية أغسطس عام 2016، وقبل أن يعمد هادي إلى اتخاذ الرواتب سلاح حرب!
فعل هادي ذلك علناً لا سراً، وجهرا لا ضمنا، حين قال لمحاوره في قناة "الجزيرة" مراد هاشم، على هامش مشاركته في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إن "تأخر قرار نقل البنك المركزي من صنعاء خطأ أعترف به، ولو كنا نقلنا البنك بدري (مبكراً) لاستطعنا حسم الحرب في 6 أشهر"!
منذ استمعت لهذا اللقاء مع هادي في 22 سبتمبر 2016، أدركت أنه سيبدأ اتخاذ الرواتب سلاحا لفرض "شرعيته" قسرا على الشعب، وأنه سيبدأ ابتزاز المواطنين بالرواتب، في سابقة أولى في تاريخ البشرية، تضاف إلى سابقاته الخارقة للأعراف السياسية والمارقة على الدساتير وضوابط الحكم عالميا!
لم يحدث أن استُخدمت الرواتب سلاحا في أي من حروب العالم. ولم يحدث أن شُنت حرب إقليمية ودولية لإعادة حاكم رئيس أو ملك هارب من عاصمة دولته، بل ورئيس انتقالي مؤقت منصّب بتوافق سياسي لعامين، وانتهت ولايته بعد تمديدها عاما، ومستقيل تقدم باستقالته لمجلس نواب الشعب!
هذا لا يحدث في الظروف الطبيعية، لكنه حدث مع هادي، الذي قدم أنموذجاً سيئاً لمفهوم الحاكم، وجسد مثالاً مرعباً لشخصية الرئيس، ورسخ انطباعاً شعبياً سيئاً عنه، منذ تنصيبه رئيسا انتقالياً في 21 فبراير 2012 يحظى بدعم سياسي محلي وإقليمي ودولي غير مسبوق. لم يكن يأبه للشعب وإرادته!
ظل هادي يزدري الشعب ولا يكترث لأحواله، ولا يعترف بإراداته، منذ تولى مقاليد الرئاسة، فلم يكن يكلف نفسه الخروج لطمأنة الشعب بخطاب بعد أي من المصائب الفاجعة التي شهدها عهده من تفجيرات إرهابية وسقوط طائرات حربية في أحياء سكنية، ولا بزيارة ضحايا أي من الكوارث الطبيعية كالفيضانات!
لم يكن يكلف هادي نفسه حتى إصدار برقية تعزية لمجاميع الضحايا المدنيين والعسكريين المتعاقب سقوطهم في هجمات إرهابية متوالية، ولا حتى اتخاذ تدابير تعكس استشعارا للمسؤولية وتجسد امتلاكه شيئا من الإحساس، كإنسان قبل أن يكون رئيسا مسؤولا أولا عن البلاد والعباد، أمام الله والدستور والقانون والعالم!
مازال هادي في المهجر هو نفسه في دار الرئاسة بالعاصمة صنعاء، غير مبالٍ بالشعب وأحواله وحاجاته، ولا بالدولة وأمنها واستقراراها وسلامة مصالحها وسيادتها واستقلالها. على العكس، يواصل انتهاج سياسة الارتهان التام للخارج، على حساب الامتهان الدائم للداخل، كما لو أنه عدو لليمن واليمنيين، حاقد عليهما!
لو لم يكن هادي لكان حكم، بمعنى ضبط أمور الدولة ومؤسساتها، وخدم الشعب واحتياجاته، ولما كان انكب على تأجيج الأزمات وتجميد المعالجات، وتدمير الدولة وتفكيك مؤسساتها وتمزيق نسيجها المجتمعي بتغذية النعرات المناطقية بدعوى "أقاليم الفيدرالية"، والنزعات المذهبية بدعوى "خصوصية الهويات"، وإذكاء المواجهات!
لكنه كان هادي، الذي بدا أنه ينفذ مهمة تم التعاقد معه على تنفيذها، ومايزال مستمراً في تنفيذها، بكل تفان، مهمة كان يلخصها بجملته المكرورة في كل خطاباته: "بناء يمن آخر مختلف"، يسميه "اليمن الجديد". وأثبتت الأحداث أنه كان يعني ما يقول، ويسير في تدمير اليمن القائم، ومسح كيانه ونسف بنيانه، للوصول إلى اليمن البديد!

أترك تعليقاً

التعليقات