واشنطن.. و «صفعة» القرن
 

أحمد الشريفي

أحمد الشريفي / لا ميديا -

قبل الحديث عن مرامي وأبعاد التحركات الأمريكية الأخيرة في المنطقة، وتعزيز تواجدها بأساطيل حربية وسفن خاصة بالمستلزمات الطبية التابعة للجيش الأمريكي، والإفصاح عن مشاورات لإرسال 120 ألف جندي أمريكي للمنطقة.. يجب أن نتوقف قليلاً لمعرفة أساسيات السياسة المعمول بها في واشنطن!
لا شك أن السياسة الأمريكية الثابتة تعتمد في فرض إرادتها على ثنائية العصا والجزرة، وقسمت الدور بين الحزبين الكبيرين في أمريكا وفقاً لهذه السياسة، فقد أوكلت مهمة الجزرة أو سياسة النعومة والترميم للحزب الديمقراطي، على أن يتولى الحزب الجمهوري استخدام العصا وتنفيذ أهداف أمريكا بالقوة في حال فشلت وأخفقت الدبلوماسية. وعلى هذه النظرية سارت أمريكا.. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال مراجعة تاريخ ومواقف وتوجهات واشنطن، وأهمها الرجوع للتدخلات العسكرية الأمريكية، فأغلبها لا تحدث إلا في عهد الجمهوريين كخط وسلوك يجب أن ينتهجوه لتحقيق طموحات امبريالية أمريكا وأهدافها، بعد أن تفشل في تحقيق ذلك عبر الطرق والأصول الدبلوماسية بشقيها المرن والوعيد.
ومباشرة يأتي الحزب الديمقراطي ليرمم ما فعله الجمهوريون، ويعطي انطباعاً حسناً عن أمريكا وسياستها، وتجميل الوجه القبيح الذي يراه العالم في صور وثقافة الجمهوريين.. وهكذا تارة يبتسمون بخبث، وتارة ينفثون سمومهم بوقاحة.
هل تتذكرون قصة الانحناء أمام الملك عبدالله من قبل أوباما عقب تنصيب الأول ملكاً، وأخذت الصورة حينها أبعاداً سياسية، وكانت مادة دسمو للإعلام الأمريكي، وعلقت في حينه الصحافة الأمريكية على تلك الصورة بأنها تقلل من شأن وهيبة الولايات المتحدة الأمريكية..!
والحقيقة، لم تكن الانحناءة تلك والابتسامة الصفراء عفوية أو شخصية، بل جزء من سياسة أمريكا الديمقراطية. وبعد ذهاب أوباما يظهر ترامب بالوجه الآخر، ليكمل ثنائية الجزرة والعصا، فهو وبحالات كثيرة جداً يسخر من السعودية وأمرائها، ويحتقرهم، وهذا بالطبع ليس عفوياً ولا جنوناً شخصياً كما يفهم البعض، وإنما هو وجه أمريكا الجمهورية. فلو كان الأمر شخصياً، لكانت الأموال التي أعطيت لترامب وابنته كفيلة بإسكاته ولجمه، ولو كانت شخصية وجنونية، لكان أحرص على تجارته، خصوصاً تلك التي في الخليج. ففي الإمارات وحدها يوجد شارع يحمل اسم ترامب من قبل أن يأتي للسلطة ويعلن نيته الترشح للرئاسة، وإنما للعقارات التجارية الكبيرة التي أنشأها في ذلك الشارع، فعرف باسمه. إذن، هذه سياسة واشنطن، وعلى أساسها يجب أن يتم التعامل.
لكن، وبرغم أمد هذه السياسة، إلا أن العالم الإسلامي والعربي بالذات لا يهتم لها، ولا يتعامل معها، بل ينجر خلف الجزرة الفاسدة، ويجلد بالعصا الكافرة. وإذا ما توقفنا هذه الأيام لنفسر ونحلل ما الذي يحدث في أروقة البيت الأبيض، لوجدنا أن راعي البقر استخدم سياسة التهديد ضد دول الخليج، فجلبت له الأموال التي لو أنفقت على العرب وإنشاء مصانع نووية، لغيرت وجه العالم، وطأطأت رأس أمريكا.
ثمة مؤشرات هذه الأيام بأن الحصول على الأموال عن طريق تجارة الأسلحة والرشاوى، لم يعد ذا قيمة، فسقف المطامع لدى واشنطن ارتفع، وبدأت في تنفيذ حزمة من السياسات التي تتوافق وتتماشى مع أمريكا الجمهورية، من أجل ابتزاز كبير قد لا تطيقه المنطقة، فهو أكبر من طاقتها، وربما يكون إيذاناً بحرب كونية جديدة يقول المنطق إنها ستنتهي، وإن خلفت نتائج كارثية، إلا أنها ستحمل معها بداية أفول نجم الولايات المتحدة الأمريكية، لتبدأ السنن الكونية في الدوران وبروز واقع عالمي وإقليمي جديد تستمر معه الحياة، وكل ما يرتبط بها من صراع وسلام.
الحديث عن استهداف سفن إماراتية بعد وليس قبل مجيء السفن والأساطيل الأمريكية إلى المياه الخليجية، هو ذريعة أولى ستليها ذرائع، إلى أن يبدأ العد التنازلي من الأمريكي وحلفائه في إعلان الحرب في المنطقة ضد كل الدول الممانعة والمقاومة لأطماعه، والتي ستفشل مشروع صفقة القرن. ويخيل لحلف الشر أن تنفيذ صفقة القرن لن تكون ذات قيمة إذا لم يتم القضاء على المناهضين للمشروع، وهذا صحيح، ولكن اتخاذ الحرب ضد المناهضين سيكون له تبعاته، وسيكتب التاريخ أن واشنطن وحلفاءها أرادوا تنفيذ صفقة القرن بالقوة، فأصبحت وبالاً عليهم، وتحولت من صفقة القرن إلى صفعة القرن بإذن الله.

أترك تعليقاً

التعليقات