محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد / لا ميديا -

بإصرار على بناء الدولة المركزية القوية في مواجهة أطماع مراكز القوى، يقول الحمدي في حديثه مع الوفود الشعبية، 23/6/1974م: "نهيب بكل الإخوة المواطنين في كل أجهزة الدولة من مدنيين وعسكريين، أن يستشعروا مسؤولياتهم وألّا يعتقدوا أن اليوم كالأمس، فإننا سنضرب بيد من حديد كل من يتلاعب بكرامة المواطنين أو بشرف المسؤولية، وسنقطع كل يد تمتد للرشوة أو تخون" (المرجع السابق، ص11).
خطوات الإصلاح شملت القوات المسلحة وتقليص السفارات، والإصلاح المالي والإداري ومحاربة الفساد، ومحاربة الرشوة، وتوزيع الأطباء والمدرسين على الأرياف، وحفر الآبار وشق الطرقات، وبناء المدارس بمشاركة شعبية، بحسب كلمته التي ألقاها في مؤسسة الغزل والنسيج بصنعاء، 1/8/1974م.
وفي عيد الشجرة ألقى كلمة بتاريخ 1/3/1975م، وكان المخطط أن يتم غرس 3 ملايين شجرة في كل عام، تم غرس 6 ملايين شجرة، ثم كانت جريمة الاغتيال لتجتث شجرة اليمن الخضراء، كما تم تجريف الكثير من تلك الأشجار التي اخضرت وأزهرت بالمحبة في عهد الرئيس الحمدي.
وعن تصنيفه يميناً أو يساراً، قال في حوار له مع "أضواء اليمن"، مارس 1975م: "... ما أستطيع قوله هو أننا وزملائي المسؤولين يمنيون حتى العظم كما يقولون... ومن ثم فنحن وطنيون، لا يساريون ولا يمينيون... وسلوكنا ومواقفنا وتصرفاتنا هي خير دليل على ذلك، بل هي الحكم لنا أو علينا" (ص38).
حين عملت السعودية عام 1975م على إعادة حسن العمري -حين كان في الرياض بحجة تأدية العمرة- بصحبة سنان أبو لحوم وعدد من المشائخ الذين ذهبوا شاكين الحمدي إلى الرياض، وكانت إعادة العمري بغرض إزاحة الرئيس، فكان أن أجاب على أسئلة الصحفيين، أن من حق حسن العمري أن يعود لبلده، فضلاً عن دوره في الدفاع عن الثورة (ص39).
باعتقادي أن فشل إحلال العمري بدلاً عن الحمدي جعل الأول يعود إلى مصر. 
السياسة الاقتصادية في فترة الحمدي لم تكن سياسة الباب المفتوح كما ذهبت إلى ذلك الباحثة أروى محمد ثابت، حين ماثلت بين نجاحها في اليمن وفشلها في مصر، فالسياسة الاقتصادية كانت بحسب وصف الحمدي "حر على مستوى العمل التجاري، وموجه على مستوى المرافق العامة".
حدد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي طموحاته وأهدافه في كلمة بمناسبة الذكرى الـ12 لثورة سبتمبر، بـ:
- أن يشمل العدل والرخاء والاطمئنان كل مواطن...
- أن تتاح الفرصة لكل أبناء اليمن أن يتعلموا ويشربوا ماءً نقياً، وأن يوفر لهم المأكل والمسكن والملبس والعلاج والكهرباء في كل قرية وبيت.
- أن نبني جيشاً قوياً يحمي ولا يهدد.
 - الحفاظ على الوحدة الوطنية قوية متينة بين صفوفنا.
 - أن يكون المواطن آمناً على حاله وعرضه، مطمئناً إلى يومه وغده، وأن نكون جميعاً متساوين في الحقوق والواجبات.
 - أن يكون ولاؤنا أولاً وأخيراً لتربة اليمن.
 - وأن تتحقق الوحدة عن طريق الحوار بما يخدم الشعب اليمني ومصلحته العليا. 
 - تمتين علاقة الجوار مع السعودية بما يخدم الشعبين، وكذلك مع كل أشقائنا في الدول العربية وفق المصالح المشتركة، والقضايا المصيرية المشتركة، فنحن جزء من الأمة العربية، آلامها آلامنا وآمالها آمالنا ومصيرها مصيرنا.
 - تأييد النضال الفلسطيني في استعادة أرضه وحقوقه "من أيدي الصهاينة الغاصبين" (ص62-65).
إن الشعب اليمني هو الحاكم والقائد للثورة بحسب رؤيته وخطابه في المؤتمر العام الثالث للاتحاد العام لهيئات التعاون الأهلي للتطوير 23/11/75م: "... إن الشعب اليمني هو الذي يقود الثورة الحقيقية، 
وأن المسؤولين فيه ليسوا إلاّ تعبيراً عنه ومنفذين لإرادته وطموحه وتطلعه، فهو الرئيس، والحكام هم المرؤوسون، وهو المخطط لحركة التطور والبناء، والحكام هم المشاركون في التنفيذ..." (ص96).
لهذا كان تصور الحمدي للمؤتمر الشعبي المزمع انعقاده في عام 1977م -ولكن يد الغدر أعاقت انعقاده- أن يكون إطاراً سياسياً لكل القوى الوطنية، بتعددية سياسية عقيدتها الوطن وولاؤها اليمن. لكن الرئيس علي عبد الله صالح أنشأ المؤتمر الشعبي العام لمواجهة الماركسية في جنوب اليمن، فهو إطار جبهوي وليس حزباً ولا تنظيماً، وأن ميثاقه صيغ كأداة سياسية وفكرية لمواجهة الفكر الماركسي القائم في الشطر الجنوبي من الوطن، وليس برنامجاً حزبياً تنافسياً في بناء اليمن الواحد والوحدوي...
لقد كانت لجان التصحيح المالي والإداري، وهيئات التطوير التعاوني خطوات فعلية في ديمقراطية الحكم وإشراك الجماهير في إدارة شأنها العام والرقابة على المؤسسات.
أراد الحمدي أن يتفق مع قوى مؤتمر خمر الثاني برئاسة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، على أن تكون التحولات الوطنية والاجتماعية والاقتصادية هي أساس الإجماع الوطني، وكانوا يرفضون ذلك، ويريدون اتفاقا يتعلق بتقاسم الثروة والسلطة! وهو ما عكسته كلمته في الذكرى الـ13 للثورة حين قال: "لقد طرحنا نقاط عمل تضمنت نظرتنا إلى كافة مشاكلنا وقضايانا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، منطلقين من المبادئ الستة للثورة، ودعونا جميع القوى الوطنية لنقاشها والإضافة إليها وترجمتها بعد ذلك إلى ممارسة عملية بعيداً عن المغالاة أو المزايدة أو تسجيل المواقف... ولازالت تلك النقاط في رأينا صالحة والدعوة لا زالت قائمة للرجوع إليها ومناقشتها وإضافة ما يحسن إضافته إليها وترجمتها عملاً" (خطب الرئيس، ص200).
وفي كلمة له بمناسبة "يوم الأم"، 29/3/1977م، تحدث عن أولئك الذين يقلقون من نهوض اليمن: "هناك أناس قلقون، لا أدري لماذا يقلقون؟ وماذا يقلقهم؟ هل الإنجازات التي تبنى لخدمة الإنسان اليمني هي التي تقلقهم؟ هل قرابة نصف مليون من الطالبات والطلبة على مختلف أنحاء الجمهورية ينعمون اليوم بالعلم والتعليم...هو الذي يقلقهم؟ لا أدري هل شق آلاف الكيلومترات من الطرقات المعبدة... هل أن يحل الحب والتعاون بدل البغضاء هو الذي يقلقهم؟ لا أدري هل غرس الشجرة وبذرة الأمل الطيب في النفوس بدلاً من الألغام وأشلاء المشوهين ودماء الشهداء هو الذي يقلقهم؟ لا أدري هل بناء الدولة المركزية التي ينعم كل مواطن في ظلها بما له من حقوق وما عليه من واجبات، هو الذي يقلقهم، بدلاً من الفوضى والتسيب ومراكز القوى والدويلات المتعددة؟ لا أدري، إنما حين أقول هذا أقوله لكي أكون باستمرار صريحاً مع شعبنا الكريم الذي أعرف وأنا متأكد جداً أنه اليوم يعرف طريقه، وأنه اليوم يعرف أعداءه وأصدقاءه، وأنه اليوم يعرف من يقلقون على مصالحهم الشخصية، وإلاَّ لماذا لم يقلقوا والجماجم تتساقط؟ لماذا لم يقلقوا وأموال البلد تهدر؟ لماذا لم يقلقوا وسمعة اليمن في الحضيض؟ لماذا لم يقلقوا والفوضى ضاربة أطنابها في كل مكان...؟ نحن طريقنا هو البناء وطريق السلام (خطب الرئيس، ص260). 
استمر الشهيد الحمدي في كل مقابلاته الصحفية وخطبه يتحدث عن السعودية بلغة المحبة والود والاعتراف بفضلها ودعمها، وأن تكون العلاقة معها مميزة بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين، لكن السعودية لم تكن تريد بلداً تشاركه المصالح والمصير، وإنما أرادت اصطبلاً خلفياً لحيوانات تمتطيها!
يقرأ الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي في الأدب والتاريخ بحسب حوار له مع صحيفة اليمامة، وعن هوايته يجيب بأنها "هي الحياة البسيطة والعادية " وأنه يكون سعيدا حين يكون في قريته.
 رفض الشهيد إبراهيم محمد الحمدي أن يوقع على ترسيم الحدود مع السعودية وفقاً لاتفاقية الطائف التي تستلب الحقوق التاريخية لليمن، فجاء خصومه كي يوقعوا على اتفاقية جدة عام 2000م، ويمنحوا السعودية مئات الكيلومترات بما يتجاوز معالم اتفاقية الطائف. بل إن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر قائد حركة التمرد ومؤتمر خمر الثاني 1975-1977م، وصف التنازل بالحقوق التاريخية بأنها حفنة تراب والأخوة مع السعودية أهم منها! بل مارس ضغطاً من أجل التوصل إلى التوقيع عليها، ففي عام 1995م كان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيساً للوفد اليمني للمفاوضات مع السعودية بخصوص ملف الحدود "الذي جاء إلى الرياض قبل أكثر من شهر، وقرر عدم مغادرتها حتى يتم التوصل إلى اتفاق، إلى درجة جعلت المعارضة اليمنية تعتبر أن فترة بقائه الطويلة في المملكة هي " سلوك مذل للشعب اليمني وكبريائه الوطني"، وأنه استرخى في الرياض وبالغ في إطلاق التصريحات التفاؤلية الزاهية التي لا تعكس حقيقة الوضع على الأرض..." (رياح الجنوب، رياض نجيب الريس، 161). 
وقد شبه عبد الله بن حسين الأحمر، الرئيس صالح بأن سلوكه كسلوك الإمام يحيى مع مبعوثه عبد الله الوزير عند التوقيع على اتفاقية الطائف 1934م، فقد كان صالح يؤكد وجود حشود عسكرية سعودية على الحدود كعادتها في فرض الحدود كأمر واقع بقوة الغلبة، وكان الشيخ عبد الله الأحمر ينفيها.

أترك تعليقاً

التعليقات