زمن السقوط وتهاوي اللافتات
 

محمد ناجي أحمد

أتمنى لو أن الناصريين قاموا الآن - وليس بعد - بتقييم انخراطهم مع مسار عبد ربه منصور هادي والكيان السعودي! قلت وسأقول بأن هادي والكيان السعودي استخدما الناصريين قفازا لتبرير جرائمهم، وأعطوهم وزارة الخارجية ولكن بوظيفة وزارة للدعاية والإعلام الحربي... لم أتفاجأ وأنا أستمع وأشاهد مقابلة عبد الملك المخلافي وزير خارجية هادي، في برنامج بلا حدود مع الصحفي الإخواني أحمد منصور، حين قال: «نحن الدولة»، بصدى واضح لعبارة لويس الرابع عشر: «أنا الدولة». حينها شعرت وأنا أستمع لهذه العبارة صوتاً وصدى وملامح  بأننا نعيش «الهزيع الأخير للناصرية»، هذا يعني أن مشروعنا الحضاري العربي سينتصر بمزيد من التراكم والقدرات، ومزيد من سقوط الأقنعة، وأن على الجماهير والنخبة العروبية أن تفرز قياداتها ووعيها وحركتها الوحدوية الاشتراكية المتحررة من إغراءات آل سعود كوكيل للغرب! 
عبد الملك المخلافي ابن البرجوازية الصغيرة بكل توقها للسلطة وتذبذب مواقفها من أحضان ليبيا معمر القذافي وسوريا الأسد إلى مشيخات الخليج ومحطات بنزين الغرب، لم يعد يبحث عن تسوية جديدة مبنية على مخرجات الحوار الوطني واتفاقية السلم والشراكة... أصبح يتحدث عن «نحن الدولة» وحوارنا سيكون مع المتمردين وإعادتهم للماضي بعد تسليم أسلحتهم، فالمستقبل لشرعية هادي والموت لتحالف صالح /الحوثي ! طيب لماذا الحوار طالما هذا هو منطلق الطاولة بين متمرد عليه أن يزول، وبين مستقبل هادوي يجب أن يستسلم له الجميع ويسلم له في آن... ماض عليه أن يتوارى، ومستقبل سعودي غربي عليه أن يبسط نفوذه! مع أن الغرب باسط كفيه في كل الأزمنة !بداية الانحدار تبدأ بخطوة ثم يصبح دحرجة فهرولة لا تنتهي إلى قاع، وإنما قيعان بعضها تحت بعض!
 أيها الناصريون أما من حكيم بينكم؟ لا يهزمنا الخصوم بأحقادهم، ولكن إخوة لنا من يصيبوننا بمقتل!
 تدليس: ليس صحيحاً ولا دقيقاً فهم البعض «أن الحرب بين مصر والسعودية كانت بسبب دعم ناصر لثورة اليمن ضد الإمامة». ومن المغالطة القول بأن «السعودية» غيرت خطها، ولا أنها اكتشفت أن مشاريع من كانت تدعمهم مدمرة! فالكيان السعودي في عشرينيات القرن العشرين أراد مستخدما «الوهبنة» أن يسيطر على المنطقة العربية في خدمة مصالح بريطانيا، وقام بحروب تمددية، ففي اليمن تمدد إلى جيزان ونجران وعسير وغيرها من الأراضي اليمنية، ثم في حرب 1934م وصل إلى لواء الحديدة، وبضغوط من راعيه البريطاني تراجع عنها... وفي حركة 1948م كان للكيان السعودي علم وموافقة ودعم مسبق لإسقاط الإمام يحيى وتولية عبد الله الوزير، أو عبد القادر، أو الحسن بدلاً عنه! وبعدها تنصلت عن وعدها بالدعم بحجة أنها لم تتفق معهم على «قتل الشيبة». والحقيقة أن هدفها كان إضعاف المملكة المتوكلية وإنهاكها، وهو ما حققته حركة 48م! وبعد انقلاب 1955م، الذي قام به المقدم الثلايا وسيف الإسلام عبد الله، بموافقة أمريكية مسبقة، وتواطؤ بريطاني ولم تكن السعودية بعيدة عنه، استثمرت ذلك الحدث بأن اقتطعت 200 كيلو من الأراضي اليمنية عام 1958م، بعد أن شغلت المملكة المتوكلية بالكثير من المحاولات لاغتيال الإمام أحمد... وصولاً إلى عام 1961م حين اتفقت مع «الأحرار اليمنيين» في زيارة الحج التي كان على رأسها القاضي عبد الرحمن الإرياني، وفاتح فيها الملك سعود بطلب الأحرار من مملكة آل سعود دعمهم إن كانوا سيقومون بثورة، وطلبوا ضمانات منها بعدم دعمهم «للشوافع» بالاستقلال! ووافقهم الملك سعود، واشترط عليهم الأمير فيصل عدم قيام نظام جمهوري، أي فقط إسقاط المملكة المتوكلية وإحلال نظام «الدولة الإسلامية» التابع والمرتهن لها!
لهذا فالحرب التي شنتها السعودية على اليمن كانت بسبب نهج ثورة سبتمبر واختيارها النظام الجمهوري بأهدافه السبتمبرية، وحربهم لمصر عبد الناصر كانت بسبب النهج القومي والاشتراكي لمصر ودعمها لحركات التحرر العربي والعالمي، وسعي مصر لتحقيق الوحدة العربية من خلال حركة الجماهير ومطالبها بالحرية والعدالة!
 لم يتغير الطريق المرسوم لهذا الكيان السعودي في خدمة المصالح الغربية ، لكن الذي تغير هو أنه وجد لافتات سقطت من الإعياء وكثرة الضربات، فأوهمت نفسها أن راية آل سعود راية عروبية في مواجهة من يطلقون عليهم «الفرس والمجوس والروافض»، أي إيران! وقيادات ناصرية تساقطت باتجاه حركة الريح، وقاعدة جماهيرية تم اختطاف فعلها لغياب وعيها! فاستثمرتهم لأنهم الأقل كلفة والأكثر جدوى لمشروعها في إدانة تاريخ حركة التحرر العربي، وفي تمزيق المجتمعات والأوطان تحت ذريعة الحرية والدفاع عن «البيوت والحواري والقرى والمذاهب والعرض والشرف»..!

أترك تعليقاً

التعليقات