غائم جزئيا
 

مارش الحسام

مارش الحسام / لا ميديا -

كما لو أني أحد خبراء الأرصاد أجد نفسي صباح كل يوم مراقباً لأحوال الطقس ما إذا كان الجو صحواً أو غائماً أو غائماً جزئياً.
في السابق كان الجو الضبابي والغائم جزئياً بالنسبة لي جواً جميلاً وشاعرياً وجو تخزينة، وجواً يشعرني براحة نفسية، أما حالياً فإنه يصيبني بحالة نفسية، وصرت أخاف من احتجاب الشمس وراء الغيوم، ومن أن تمطر السماء نهاراً. 
كل ذلك عشان خاطر البطارية التي تستمد طاقتها من الشمس.
قبل دخولي عالم الطاقة الشمسية كنت مولعاً وبشدة بالأجواء الضبابية التي اعتدت فيها الصعود إلى أعالي منطق عصر حاملاً أغصان القات وقارورة ماء وبقايا كرتون أفترشه في مدكى متواضع جوار النصب التذكاري الصيني المطل على العاصمة.
المكان كما لو أنه ملاذ أنموذجي لتخزينة جامدة أفرغ فيها كيس رأسي وما يحمله على الضريح الصيني، وأختار ما يحق له البقاء وما يستحق الكب، لأعود إلى البيت صافي الذهن.
كان هذا قبل دخولي عالم الطاقة الشمسية. 
حالياً لا أجد نفسي مهتماً بسماع نشرات الأخبار والخراب والدمار، ولا يهمني ما قاله هذا المحلل السياسي أو ما سيقوله ذاك الخبير العسكري عن التطورات أو التوقعات في الأيام القادمة. كل ما يهمني هو ما قاله الخبير الفلكي الجوبي عن توقعاته حول الطقس، أو ما سيقوله خبير الفيزياء الفلكية عدنان الشوافي عن أحوال الطقس في قادم الأيام. 
بالأمس أثناء الدوام وفي غمرة انشغالي بالعمل بحماس عالٍ قادتني عيناي لا إرادياً لرصد أحوال الطقس عبر النافدة كالعادة.. راعني المشهد المهول لأن الجو كان غائماً جزئياً، تعكَّر مزاجي تلقائياً وشعرت بغصة، حاولت جاهداً أن أفلت منها بالتحدُّث إلى الزملاء، وبالانشغال بمقاطع اليوتيوب لأنسى الموضوع، ولكن دون جدوى، فالهاجس اللعين كان يزوبع بداخلي ترى هل البطارية مشحونة؟
أين سأشحن اللابتوب الليلة؟ 
وغيرها من التساؤلات.
دائماً حين أعود إلى البيت أتجه مباشرة نحو البطارية لمعرفة مستوى الشحن، وحين أجدها ممتلئة "فُل" أشكرها بابتسامة عريضة دون أن يحيد نظري عن المنظم الذي يحدد درجات الشحن، أما حين أجدها شبه فارغة فإني أكيل لها سيلاً من اللعنات، ومن ثم أركلها بقوة كما لو أن لها يداً في سوء المناخ.
أما حين أكون في البيت فلا يدور في رأسي سوى سؤال وحيد: ما هو الوقت الأنسب لشحن اللابتوب دون أن ينقص من البطارية شيئاً، لأني سأحتاجها لشحن إضافي مرة أخرى في المساء؟
هنا يكون عليَّ أن أتخذ قراراً مصيرياً لاختار وبدقة الوقت الأنسب للشحن، وغالباً ما أختار الـ11 ظهراً حيث تكون الشمس لافحة وتقوم بتعويض بدل فاقد الشحن.
ولكن في مرات عديدة وحين تحين ساعة الصفر للشحن (الـ11 ظهراً)، تخذلني الشمس بتواريها خلف الغيوم، حتى إني "ودفت" أكثر من مرة، لأن خبرتي بأحوال الطقس لا تسعفني غالباً في نصب الفخاخ للشمس أو عدم وقوعي في مثل هذه الفخاخ مجدداً.
كان لدي الكثير والكثير لقوله، ولكن بطارية اللابتوب لا تسمح وتكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، لأن الجو هو "بالغائم وبالجزئي"!

أترك تعليقاً

التعليقات