أكرم عبدالفتاح

أكرم عبدالفتاح / لا ميديا -

الهجمات المتوالية على مدينة الحديدة في الأيام الأخيرة كانت متوقعة ضمن انكشاف سياق التحضير لها منذ بضعة أسابيع. 
ميدانياً، بدأ الأمر قبل أسبوعين حين قامت الإمارات بإرسال تعزيزات كبيرة لمرتزقتها في الساحل الغربي، خصوصاً في منطقة الجبلية جنوب محافظة الحديدة، بالتزامن مع إجراء تغييرات في مناصب بعض قيادات الألوية والكتائب التابعة لها في الساحل الغربي.

وبالفعل، شن أتباع الإمارات قبل أيام هجوما واسعا في منطقة الجبلية بهدف تأمينها، كونها تمثل أهم نقطة لقطع الإمدادات عن قواتها المتقدمة جنوب وشرق الحديدة، وما زالت الاشتباكات مستمرة في الجبلية حتى اليوم وإن بوتيرةٍ أخف.
أما عن الجبهة الأبرز في أطراف مدينة الحديدة، فهناك، ومع بداية الأسبوع الماضي، رفع أتباع الإمارات وتيرة القصف المدفعي والصاروخي شرق المدينة مستهدفين عدة مناطق قرب شارع الخمسين وسوق الحلقة، وكذا في محيط مدينة الصالح وصولا إلى أطراف حي 7 يوليو. التمهيد المدفعي غالبا ما كان يتبعه محاولات متكررة للتقدم بمدرعاتهم، لكن الهجمات تنتهي دائما بالتراجع دون تحقيق مكاسب على الأرض بعد اشتباكات ضارية مع المدافعين عن المدينة.
المعركة الأهم في هذا السياق هي التي حدثت مساء الثلاثاء الفائت، حيث حاولت القوات التابعة للإمارات التقدم قرب سوق الحلقة في هجوم مكثف دام عدة ساعات وانتهى بانكسارهم قبل منتصف الليل، ليتراجع من تبقى منهم بعد خسارة عدد من المدرعات والأطقم العسكرية التي احترقت بمن فيها. ثم ومنذ الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ساد الهدوء شرق المدينة وتوقفت للمرة الأولى الخروقات المعتادة لوقف إطلاق هناك، حيث انقطعت أصوات القصف المدفعي والرشاشات الثقيلة التي اعتاد المواطنون على سماعها طوال الأشهر الماضية. ولعل في هذا مؤشراً كافياً إلى مدى الخسائر التي تكبدتها القوات الموالية للإمارات.
التطورات الميدانية المذكورة أعلاه تشير إلى وجود نوايا لإسقاط اتفاق ستوكهولم نهائياً. يتعزز هذا التفسير إذا تأملنا تصريحات ناطق التحالف يوم 20 يونيو عن ميناء الحديدة ومزاعمه بأن الميناء هو المنفذ الوحيد لتهريب الأسلحة الإيرانية وقوله بأن "التحالف سيتخذ إجراءات حاسمة". 
وإذا ربطنا ذلك بخبر أعلنته قناة "العربية" يوم الاثنين الماضي مفاده أن "حكومة الشرعية تدرس قرار الانسحاب من اتفاق ستوكهولم"، فيمكن استنتاج أن قيادة التحالف الخليجي قد حسمت أمرها بشأن إسقاط الاتفاق، وستدفع حكومة الدمى التي تحركها تحت مسمى "حكومة الشرعية" لإعلان إلغاء الاتفاق من طرفها، لكنهم ينتظرون نجاح محاولات قواتهم في تحقيق تقدم ملموس بما يكفي لطمأنتهم على إمكانية احتلال ميناء الحديدة. فقادة التحالف لا يريدون المخاطرة بتحمل مسؤولية نسف اتفاق ستوكهولم نهائيا ما لم يكن النصر مضمونا.
وبالطبع فإن إعلان إسقاط الاتفاق المدعوم أمميا يمثل بالنسبة لهم مخرجا من التزاماتهم بتنفيذ الخطوات التي تخصهم من عملية إعادة الانتشار التي أوفى الطرف الآخر بالتزاماته فيها من جانب واحد بإشراف الأمم المتحدة. لكن ومن ناحية أخرى فإن التحالف لا يريد إدانة نفسه بإعلان مخالفته لاتفاق معزز بقرار من مجلس الأمن، إذ إن انتهاكه لآخر قرارات مجلس الأمن بشأن اليمن سيفقد التحالف الحجة القانونية التي يشرعن بها وجود قواته في اليمن مدعيا أنه جاء لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الصادرة عام 2015.
جدير بالذكر أن هناك عوامل أخرى تخص حساسية وضع قيادة التحالف وتعاملها المعلن مع اتفاق ستوكهولم ومدى حرصها على عدم الظهور في موقف الرافض له؛ حيث يوجد نوع من الخلاف الطفيف بين السعودية والإمارات بشأن ضرورة إسقاط الاتفاق ومدى جدوى ذلك من الناحية الميدانية، فالسعودية تحديدا حريصة على عدم تحمل مسؤولية إسقاط الاتفاق، كونه يمثل التزاما شخصيا لمحمد بن سلمان أمام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريتش كثمن مقابل لجهود الأخير في تعويم ابن سلمان سياسيا عبر اللقاء الذي تكرم به جوتيريتش أثناء قمة العشرين في المكسيك كاسراً بذلك عزلة الأمير المنشار الذي وجد نفسه حينها منبوذا ومعرضا للملاحقة الجنائية الدولية. 
والأرجح أن ابن سلمان لا يريد التنصل من التزامه ما لم يستوثق قبل هذا من قدرة قوات التحالف على اقتحام الحديدة فعلا بعد فشل الكثير من المحاولات السابقة في العام الماضي. 
أما قيادة الإمارات فهي مصرة على احتلال ميناء الحديدة لاستكمال سيطرتها على سواحل جنوب البحر الأحمر. 
وبالمجمل فإن قيادة التحالف تدرك أن إعلانها إسقاط اتفاق ستوكهولم سيكون له تكلفة سياسية على المستوى الدولي، وهي ترى أنه لا داعي لتحمل تلك التكلفة ما لم تحقق في مقابلها مكاسب مؤكدة ميدانيا بحيث تبرر تلك التكلفة، لاسيما أن من ضمن تلك التكلفة السياسية ما سينعكس مباشرة على تعقيد وضع محمد بن سلمان المحاصر بتبعات فضيحة خاشقجي. 
لكن ومن ناحية أخرى يتفق الشريكان، ابن سلمان وابن زايد، على أن احتلال الحديدة سيساعد في الضغط على أنصار الله لوقف هجماتهم على المطارات والمنشآت السعودية. لكن السؤال الأهم هو: هل لديهم القدرة على تحقيق انتصار حاسم هناك؟ فهذا هو المعيار الذي سيعلنون موقفهم بناء عليه.
بالعودة للميدان في الحديدة، وكخلاصة يمكن البناء عليها لاستنتاج القادم، فإن فشل هجوم مساء الثلاثاء الفائت لن يعني توقف المحاولات خلال الفترة القادمة، هذا ما تؤكده الأنباء المتواترة عن وصول تعزيزات إماراتية جديدة قبل أيام إلى ميناء عدن متضمنة مدرعات وأسلحة نوعية جديدة يجري نقل القسم الأكبر منها نحو الحديدة في هذه الأثناء.
بالمناسبة؛ لا يستبعد ارتباط التحشيدات الإماراتية بما أعلنه الرئيس الأمريكي ترامب الأسبوع قبل الماضي مخاطبا الكونغرس أنه أرسل قوات أمريكية إلى اليمن، حتى وإن ادعى ترامب أن جنوده ذاهبون لمحاربة القاعدة وداعش، فالجميع يعلم أن القاعدة وداعش في اليمن تحاربان ضمن صفوف حلفائه السعوديين والإماراتيين وبأسلحة أمريكية وتحت إشراف مستشارين أمريكيين.
على الجهة المقابلة، تبدو حكومة صنعاء أكثر ثقة بقدرة قواتها على الصمود في جبهة الحديدة. والأهم من ذلك أنها انتقلت من الدفاع إلى الهجوم في عدة جبهات ممسكة بزمام المبادرة، لاسيما في جبهة نجران، في الوقت نفسه الذي بدأت فيه بتطبيق سياسة الردع المتصاعدة تدريجيا بعد نجاحها في تطوير أسلحة هجومية كافية لضرب الخاصرة الاقتصادية الرخوة لدول التحالف داخل العمق السعودي والإماراتي بشكل متواصل. وهي بهذا الصدد تستعد لإدخال أسلحة جديدة أشد فعالية إلى الحد الكافي للرهان عليها كعامل سيحدد مسار الحرب ومآلاتها خلال الشهور القادمة.

أترك تعليقاً

التعليقات