الوعي وغياب الضمير
 

د. مهيوب الحسام

د. مهيوب الحسام / لا ميديا -

إن وجود الوعي المحدود ومع تنميته ورفع منسوبه في غياب الضمير أو انعدامه يمثل كارثة حقيقية، لأن أضراره تفوق أضرار الجهل بأشواط، والثقافة الانتقائية والتلقينية مهما بلغت ومهما خلقت من وعي فإنه لا يكون إلاّ وعياً متحيزاً لفئة أو حزب أو جماعة ومعادياً كلياً أو جزيئاً لسواه، فيغيب العدل والإنصاف وتضيع معه الحرية الفردية والجماعية والاستقلال والقدرة على اتخاذ القرار الصائب، وتتجذر معه وبه التبعية والذل، وهنا يغيب الضمير تماماً، وعندئذ تحدث الكارثة، فغياب الضمير يهدم كل القيم ويفقد الإنسان القدرة على تحمل المسؤولية، ويلغي لديه العزة والكرامة، ويخلق الانتهازية التي تحرف الوعي عن مساره المحقق للمصلحة العامة إلى التفكير في تحقيق المصلحة الذاتية الخاصة على حساب العامة، وهنا تظهر الأنانية والانتقال من رحابة الفضاء الوطني إلى ضيق الأفق المكاني أو الحزبي أو المصلحي، وتضيع الرؤى، ويضمحل العقل الجمعي، ويسهل التفكك، فيبدأ الحزبي يفكر بحزبه لا بشعبه، وتصل الحالة إلى الفردية، فتجد أن الحزب يستغل الوعي ويحرفه بما يحقق مصلحته فقط، والمكون والمذهب والطائفة، ومن على شاكلتها، هذا على مستوى الجماعة وعلى مستوى الفرد كذلك، فيتحول من وعي بناء للأمة إلى وعي هدام للأمة والإنسانية، فبدلاً من أن يكون الوعي خيراً ينقلب شراً حتى على مستوى الدين واستغلاله من قبل من يسمون أنفسهم العلماء والمفتين عديمو الضمير والمسؤولية، فتجدهم يفتون على هوى القادة وفي كل مقام فتوى للمسألة ذاتها... الخ، ويصبح الدين خادماً للسياسة وتابعاً لها، بأمرها يعمل وبأمرها يعطل.
إن مستلزمات نجاح الوعي هي المعرفة وموجباتها، والمتمثلة في الإدراك واستحقاقاته من الاستعداد لتحمل المسؤولية والقبول بالتضحية، وذلك لا يمكن تحقيقه إلاّ ضمن رؤية شاملة تتحول لمشروع قابل للتنفيذ، والمشروع بلا قيادة مدركة واعية يبقى حبراً على ورق، وتتحول الثقافة أو الوعي مع غياب الضمير إلى نوع من الانتهازية وتحقيق النزوات، وهذا ما يمكن أن ينطبق على تعز وكثير من المحافظات الأخرى التي عاثت فيها ثقافة الإخواوهابية وغيرها من الأحزاب المرتهنة، فوجدت الثقافة المتحيزة ووجد نوع من الوعي مع غياب الضمير، مع العلم أن المدارس والجامعات في ظل حكم سلطة العهد الوصائي لم تستطع أن تخلق ثقافة وطنية ولا وعياً وطنياً، بل خلقت ثقافة ووعياً مشوهاً بما يخدمها ويخدم مصالحها ويهدم مصلحة الشعب اليمني، فجل من يدافعون عن وطنهم اليوم ليسوا من خريجي مدارس ومعاهد وكليات وجامعات العهد الوصائي، بل ان معظم خريجي ذاك العهد هم اليوم مع العدوان على بلدهم وشعبهم، وهنا نهيب بالجهات المسؤولة عن التعليم بمختلف مراحله العمل على خلق مزيد من الوعي الوطني وتنميته لدى الجيل، وأن يكون الوعي مبنياً على أساس قيمي، ومرتكزاً على قواعد أخلاقية وإنسانية، ومستنداً إلى مرجعية إحقاق الحق لا ترسيخ الباطل، ومعتمداً على مبدأ النفع لا الضرر، وأولويته دفع الشر بالخير وليس العكس. والثقافة يجب أن تكون شاملة لجوانب الحياة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً... الخ، وعلى أسس وطنية، وأن يتم تصحيح مسار التعليم بكافة مراحله.

أترك تعليقاً

التعليقات