روبير بشعلاني

روبير بشعلاني -

المثقّف ليس النقد غايةً لديه، ولا الدعوة إلى الصلاح.
المثقّف، ولاسيّما الثوري منه، دوره هو كشف قوانين المجتمع وتبيان وسائل وطرق تغييره والتقدّم به.
المثقّف لا يتوقّف دوره على النقّ، أي التذمّر، بل مطلوبٌ منه أن يتجاوز الظاهر ليكشف الباطن. 
مطلوبٌ من المثقّف أن يشرح للناس تركيبة اجتماعهم، وصراع القوى فيه، ومحتوى هذا الصراع ورهاناته.
مطلوبٌ منه أن يكشف القوى الاجتماعية المستفيدة من الواقع، والتي تمنع تطوّر المجتمع والدولة.. بدل الالتهاء بوصف الظاهر، المطلوب من المثقَّف "الثوري" هو أن يُعيّن القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة باحتضان الإصلاح والتغيير.. بدل الانطلاق من ثنائيّاتٍ تبسيطيةٍ عن الفساد، على المثقّف "الثوري" أن يكتشف الأسباب الحقيقية لانحباس مجتمعه بالماضي. 
عليه أن يكتشف القوانين التي منعت بالماضي كلّ عملية إصلاحٍ وتغيير.
وعليه أن يُدرك أسباب ازدواجية المُلْك في بلاده: لماذا هناك دستور "عصري" في بلاده بجانب "صيغةٍ" و"ميثاق".
وبدلاً من الانطلاق من مفاهيمٍ مثاليةٍ عن الخير والشر، عليه أن ينطلق من المُعطى التاريخي الملموس لكي يتأكّد من وجود دولةٍ ناجزةٍ حيث هو موجود. فعليه أولا أن يتأكّد من استقلالية هذا البلد، لأن إصلاح الحُكم والإدارة في بلدٍ مُحتلّ هو أمرٌ غير ممكن، لا بل مستحيل.
إن نطاق عمل المثقّف "الثوري" يتجاوز الظاهر واستنساخ تجارب إدارات الدول الناجزة وإسقاطها على مجتمعاتٍ أخرى.
لا يكبر المثقّف "الثوري" بالوقوف مع "الحق"، بل باكتشاف القوّة الاجتماعية صاحبة المصلحة بهذا "الحق"، وباكتشاف خط التاريخ الذي على بلده أن يسلكه لكي يصبح مستقلاً وممتلكاً لشروط الدولة الناجزة.
المثقّف "الثوري" ليس المثقّف الذي لا يكفُّ عن الدعوة إلى الثورة، بل هو المثقّف الذي يُحدّد محتوى هذه الثورة وقواها، انطلاقاً من قراءةٍ حقيقيةٍ لمجتمعه الملموس.. إن المثقّف "الثوري" ليس ذلك الذي يملك "كاتالوغاً" من الممارسات الإدارية "السليمة"، التي كان قد نسخها عن دولٍ أخرى، بل هو الذي يكتشف شروط تقدُّم بلاده وشروط حيازتها على ما يمكن أن يجعلها دولةً حقيقية.. إن المثقّف "الثوري" ليس ذلك الذي ينضمّ لمعارك الإنجيئيّين (جماعة الـNGOs)، بل هو الذي يعمل على بلورة القوّة السياسية القادرة على حمل مشروع التقدّم في بلاده، ويعمل على إقناع القوى الاجتماعية المعنيّة بذلك بالانضمام لهذا المشروع والنضال من أجله.
المثقّف "الثوري" في بلادنا التابعة ليس ذلك الذي يعمل على تغيير "الطرابيش" داخل كياناتٍ خلقها الاستعمار على مقاس مصالحه، بل هو الذي يعمل على تحرير بلادنا من الهيمنة، وعلى تجميع كل الشروط اللازمة من أجل بناء دولةٍ قادرةٍ موضوعياً على الدفاع عن أمنها وثرواتها وغذائها وعيش أبنائها والوفاء بأعباء تطوّرها السليم.

أترك تعليقاً

التعليقات