سورية: الفصل الحاسم يقترب
 

غالب قنديل

غالب قنديل / لا ميديا - 

جاء بيان البنتاغون عن سحب ألف جندي أميركي من سورية بمثابة إعلان حسم للصراع الذي نشب داخل المؤسسة الحاكمة الأميركية لصالح قرار الرئيس دونالد ترامب بالخروج من سورية، والذي علق لأكثر من سنة تحت الضغوط والاعتراضات، لتظهر التجربة عبثية ذلك وحتمية التسليم بانسداد الرهان على فرص للبقاء أو النجاح بفضل الاحتلال في التأثير على مسار الحدث السوري أو على تطور ما يسمى بالعملية السياسية.
كانت المؤشرات التي سبقت الغزو التركي لسورية، بالتفاهم بين الرئيسين ترامب وأردوغان، قد أظهرت بداية تراجع في السطوة الأميركية، وخصوصا منذ إعلان حكومتي سورية والعراق عن التفاهم على إعادة فتح المعابر الحدودية الذي أعلن من معبر البوكمال؛ وهي الخطوة التي اعترضتها الولايات المتحدة بقوة طيلة أكثر من عامين عبر الضغط على الحكومة العراقية لتأجيلها غير مرة وعبر غارات صهيونية اميركية "غامضة"، وكذلك من خلال الدور الذي أسند لفلول "داعش" بقطع الطريق بين البلدين الشقيقين قبل ذلك.
الحسابات المتصلة بأفضلية خيار الخروج من سورية تعكس انعدام الفرص بعد استنفاد الرهان على تعديل ميزان القوى في المنطقة بأسرها؛ فقد منيت الولايات المتحدة بخيبة كبيرة بعد قرع طبول الحرب ضد إيران وإثر عمليات تصعيد وعربدة عسكرية في مياه الخليج والمضائق، بينما سدد محور المقاومة ضربات قاسية للمعسكر الأميركي الصهيوني الرجعي أظهرت قصور هذا المعسكر واضطراره للانكفاء والبحث عن مخارج وتفاهمات سياسية، أمام تصاعد قوة الجبهة الاستقلالية المقاومة في المنطقة، رغم شدة الضغوط وشراسة الحصار الاقتصادي المضروب على سائر أطراف هذه الجبهة، من فلسطين إلى اليمن مرورا بسورية والعراق وإيران ولبنان.
اما بخصوص سورية، فمن الواضح أن فتح الحدود العراقية اقتصاديا من شأنه الحد من تأثير تدابير العقوبات والحصار الأميركية وقد بات خط نقل البضائع والأشخاص مفتوحا بين البلدين، بينما التواصل العسكري الدفاعي تحقق منذ معارك تحرير البادية السورية.
جاء قرار اندفاع الجيش العربي السوري شمالا في مجابهة الغزو التركي ليفرض واقعا جديدا في المناطق المستهدفة، بحيث باتت عودتها إلى السيادة الوطنية السورية نذيرا بتحول يعكس مسار الأحداث على الأرض وبترجيح عودة المدن السورية وأرياف الشمال الشرقي إلى حضن الدولة الوطنية، ومعها حقول النفط ومساحات زراعية صخمة ووافرة المحاصيل لم تنقطع خطوط الدعم والمساعدة عن مزارعيها طيلة سنوات الحرب العدوانية، وبالتالي فإن الخطوة التي اتخذها الجيش العربي السوري تفتح آفاقا جديدة ونوعية استراتيجيا واقتصاديا وليس فحسب عسكريا.
استكمال إخراج الاحتلال الأميركي والتركي وتثبيت سيطرة الجيش العربي السوري هي الأولوية الرئيسية للدولة الوطنية السورية وحلفائها، ولا قيمة لما يلقى عن مقايضات وصفقات كخرافة الشريط الافتراضي في الجنوب التي تبددت منذ تحرير منطقة فصل القوات في الجولان.
برهنت الدولة الوطنية السورية طيلة فصول التصدي للعدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي عن صلابة مبدئية وتمسك بالسيادة والاستقلال، اللذين هما جوهر الهوية السورية التحررية المناهضة للهيمنة. كما برهن الحلفاء جميعا ولاسيما روسيا وإيران على احترام ثوابت المواقف السورية والتقيد بها وعدم قبول المساومة عليها أيا كانت الظروف والمعادلات والمصالح، والباقي دس رخيص لتوهين المعنويات.
انتهت اختبارات القوة في سورية، بعد سنوات من المعارك الضارية والحروب المتنقلة، إلى تثبيت الانكفاء الأميركي والصهيوني بفعل حسابات الكلفة وتحت ضغط معادلات الردع القاهرة التي حققتها قوة الدولة السورية المقاومة ومحورها الدولي والإقليمي، بينما سيكون التركي مرغما على الانكفاء عند الحسابات ذاتها، وسيتوسل أردوغان من موسكو وطهران المساعدة على إيجاد المخرج الذي يحفظ ماء الوجه، وهو بات يعلم أن المغامرة بالاشتباك مع الجيش العربي السوري ستكون حماقة مكلفة جدا سياسيا وعسكريا. وسنرى ترجمة ذلك لو وقع أي احتكاك ناري بين جيش غزو وعدوان يجر خلفه عصابات عميلة، وجيش وطني يقاتل على ترابه محتضنا من شعبه، وتقول التجارب التاريخية لمن تكون الغلبة في مثل هذه الحالات... 
إنه الفصل الأخير من الحرب الاستعمارية الصهيونية الرجعية على سورية، وجميع اللاعبين يسابقون الزمن للتكيف مع نتائج آتية لا محالة طال الزمان أم قصر.

أترك تعليقاً

التعليقات