سوريا والأخطبوط التركي (1)
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -

تركيا أسيرة لحالة الإحباط واليأس، مغلوبة على أمرها بعد كل المحاولات البائسة لتسويق بضاعتها أمريكياً وأوروبياً وعربياً في بازارات الأمن الإقليمي، واستغلال موقعها الجغرافي فائق الأهمية والذي جعل منها قادرة على الإمساك بخناق سوريا والعراق وفرض الإتاوات وممارسة كل أساليب الابتزاز السياسي والأمني والاقتصادي، ويجعل الفرات ينبع من تركيا ويسير في سوريا ليصب في العراق، ويجعل الدول الثلاث تشترك في قضية واحدة اسمها (الأكراد) التي هي حيناً هم مشترك وأحياناً كثيرة ورقة ضغط في التخاطب السياسي المتبادل، وأيضاً عامل الشراكة التاريخية بقديمها العثماني وبحديثها الأردوغاني المتمثل بولاء تركيا وبعلاقاتها الوطيدة مع أمريكا. وللتاريخين الحديث والقديم في نفوس العرب مرارة لا تحصى، شراكة تعيسة ومفروضة بحكم الجغرافية والتاريخ.
تركيا التي تعيش اليوم هاجس الامبراطورية العثمانية والباب العالي، وتحاول التسلل من ثقوب النزاعات الإقليمية والدولية لتدَّعي أن لها شرعية بالتسويات السياسية المرتقبة، وتريد أن تلعب دوراً إقليمياً يتجاوز حدودها وحجمها السياسي والاقتصادي والعسكري. الاعتداء على شمال شرق سوريا رسائل ضعيفة المحتوى إلى سوريا والغرب، بأن تركيا هنا ومازالت موجودة، وتمتلك القوة، ولها دور إقليمي وأمني تلعبه في المنطقة، ورسالة خاصة موجهة إلى أمريكا بأن الدور التركي لم يستنفد طالما وأن بطن المنطقة مازال يحمل بذور نزاعات كثيرة.
الاعتداء على شمال شرق سوريا تحت ذريعة إقامة حزام أمني، وحماية حدودها من أعمال الأكراد العسكرية، ومحاربة الإرهاب، رغم أن تركيا منبع الإرهاب وتصديره، يُعد أمراً ليس بالجديد على تركيا في الاعتداء على جيرانها، فقد اعتدت في الماضي على العراق واجتاحت شماله وتوغلت أكثر من 40 كيلومتراً، وتعتبر تلك العملية العسكرية الثانية. علاقة تركيا مع جميع جيرانها متردّية وعدائية، من اليونان وبلغاريا إلى إيران ودول القوقاز وآسيا الوسطى وأرمينيا، وصولاً إلى العراق وسوريا، فليس بين جيران تركيا من يرتبط معها بعلاقات إيجابية نشطة، بما في ذلك الجمهوريات الناطقة بالتركية. 
الاعتداء على شمال شرق سوريا تحت شعار إقامة حزام أمني وحماية حدودها من عملية الأكراد العسكرية والذين شكلوا الهدف الأساسي الظاهر للعملية العسكرية، أما الهدف الحقيقي فهو الوضع المتأزم السياسي والاقتصادي داخل تركيا الذي يعد أحد العوامل السياسية الدافعة للاجتياح لامتصاص النقمة الشعبية ومحاولة صرف أنظارهم عن الأزمات الاقتصادية والسياسية، حيث تراجع النمو الاقتصادي الذي لم تشهد تركيا له مثيلاً منذ العام 1945. إضافة إلى ذلك، تعيش تركيا صراعاً سياسياً حاداً يتحرك دموياً لمواجهة قمع السلطة. وباتت عمليات القتل والاعتقالات والتعذيب، والفصل اليومي للمعارضين من أعمالهم، وتصدير الإرهاب، من المهام الأساسية في ظل حكم مجرم الحروب الشوفيني أردوغان ونظامه القمعي، ونتيجة لتلك الأوضاع المتردية والمتأزمة، والتي جعلت من اجتياح شمال شرق سوريا ضرورة لإنقاذ النظام من السقوط الحتمي والتي دفعت النظام القمعي الإرهابي للقيام به لتصدير أزماته الداخلية ولتجميد ما آلت إليه الكثير من الأوضاع المتردية والمتفاقمة، وأيضاً لإرضاء جنرالات الحروب المتنفذين والفاسدين في الجيش التركي وأن خيارهم الداعي للحسم العسكري وعدم الحوار مع الأكراد قد انتصر. 
نظام أردوغان القمعي والمرتهن للأمريكان يتحمل مسؤولية جميع النزعات الإقليمية مع جيرانه والتي تعتبر أزمات إقليمية ودولية تقلل من أهمية تركيا وموقعها كجسر للغرب ومصالحه في المنطقة.

أترك تعليقاً

التعليقات