مفخخات ثلاث!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

يشبه من يتحدثون حتى اليوم عمّا يسمونه «المرجعيات الثلاث» ذوي ميت شبع موتا ويصرون على أن يعود إلى الحياة! مازالوا، بلا خجل أو وجل، يتشدقون بهذه «المرجعيات»، كما لو أنها الكتب السماوية الثلاثة: التوراة والإنجيل والقرآن، رغم أن تتابع هذه الكتب جاء مراعيا لما طرأ بين حقب نزولها.
فعليا، يبرز حديث «المرجعيات الثلاث» ضربا من الخبل والدجل في زعم أنها الحل وسبيل خلاص محتمل، بل وضربا من ضروب الكذب المعسبل أو الكلام المخيط بصميل والمسبوك بإزميل، فهو يتجاوز الواقع إلى التقوقع، ويتجاهل المنطق كمن يصدم بشاحنة جبلا بغية إزاحته!
أي «مرجعيات ثلاث» ما تزال قائمة، وأولاها كانت لأجل «صون أمن اليمن واستقراره ووحدة أراضيه وسيادته وإنهاء مظاهر الأزمة وتجنيبه الإنزلاق إلى أتون الاقتتال والحرب الأهلية»؟! ذلك هدف رئيس تصدر «المبادرة الخليجية لتسوية الأزمة السياسية اليمنية» الموقعة في ديسمبر 2011.
مع ذلك، جرى الانقلاب على هذه «المرجعية» واتخذت مظلة للاستحواذ والاقصاء وتفكيك مؤسسات الدولة، ونحطلة الجيش والأمن قواما وتشكيلا وعقيدة وانتماء ومقدرات ومهمة وفاعلية، بزعم «هيكلة» أشرف عليها سفراء دول «رعاية تنفيذ المبادرة»، التي صارت دول وصاية وتبديد سيادة الدولة!
جل انجاز هذه «المرجعية» هو أجندة «الربيع» المريع في تبديد أمن اليمن واستقراره، بتعميم فوضى هدامة تجلت في فساد إداري عام وتدهور خدمي تام وانفلات أمني دامٍ عنوانه الاغتيالات والاختطافات وقطع الطرقات وتخريب منشآت النفط والغاز والكهرباء، وتفجير واقتحام ونهب المعسكرات ومقار قيادة المناطق العسكرية بل ومجمع وزارة الدفاع نفسه.
نسفت هذه «المرجعية» عمدا بقرارات وإجراءات لسلطة «انقلاب 2011» عمدت لتأجيج الأزمة وتهييج مظاهرها وتوسيع نطاقها والنفخ في كير تفجير الحرب، تمريرا لأجندة «الربيع»، وتبريرا لتمديد اغتصاب السلطة ومصادرة إرادة الشعب الحرة بتعطيل حقه في انتخاب ممثليه في مؤسسات اتخاذ القرار والحكم ومؤتمر الحوار.
حتى ثاني هذه «المرجعيات»، مؤتمر الحوار، جرى حرفه أهدافا ومسارا ومخرجا، بدءا من تعيين اعضاء الحوار دونما شرعية شعبية أو كفاءة وخبرة علمية، فقط لتمرير أجندة خارجية بخفة وفهلوة مسرحية «حوارية» لم تخرج عن نص أملاه، علنا لا سرا، سفراء دول الوصاية، ولم تقدم حلولا بل ألغاما.
حُرفت أهداف الحوار ومساره، من بحث المشكلات تحت سقف الثوابت الوطنية واقتراح معالجات لمكامن الاختلالات وما يلزم من تعديلات في تشريعات النظام الإداري والسياسي والاقتصادي والقضائي للدولة أو حتى دستورها جبر ضرر الصراعات السياسية، إلى مناقشة نسف كيان الدولة برمته والتباري في مسخ شكلها واسمها وهويتها ونظامها!
ذلك أمر لم يجرؤ على مجرد التفكير فيه أو طرحه أحد في الدول المستهدفة بجائحة «الربيع»، رغم التباينات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية في نسيجها المجتمعي، فشهدت وضع دساتير عدة جديدة لاستفتاءات شعبية متلاحقة، لكنها لم تمسس الثوابت الجامعة لهذه الدول وشعوبها، أو تجرؤ حتى.
أما نحن، فجرى تجاهل جميع مكامن الاختلالات ومواطن الاعتلالات وبواعث الأزمات، والانكباب على مسح كيان الجمهورية اليمنية، وتفصيل وتخطيط تقسيمها وتمزيق نسيجها المجتمعي الواحد وهوية شعبها، بفرية «تعدد الهويات والخصوصيات»، وصولا إلى طرح ترهة «اليمن الاتحادي» كما لو أنه مشروع توحيدي لدويلات ذات سيادة أصلا متنازعة!
سعى فهلويو أدوات وسلطة «الربيع» بخفة، خلال 11 يوما و3 اجتماعات، لفرض تقسيم اليمن إلى 6 أقاليم ذات مقومات سيادة: دستورا وبرلمانات ومجالس شيوخ مقاطعات وولايات ومحاكم عليا وحكومات، مع تلغيم مسودة دستورها بنص يكفل «احتفاظ الشعب (سكان كل ولاية أو مقاطعة أو إقليم) بحقه في تقرير مصيره السياسي»!
ذلك لغم واحد من عشرات فخخت بها ما يسمى «مخرجات الحوار» و»مسودة الدستور»، لم يجرؤ عليه واضعو دساتير أمريكا وفرنسا وغيرها من الدول الاتحادية (مهجنة الشعوب)، ووضعته أدوات وسلطة «الربيع» في اليمن بفهلوة لاعب الخفة في السيرك، ومضت في تمريره بالخفة نفسها ودعم سفراء دول الوصاية!
ولما كانت هذه المفخخات ضد مصلحة اليمن كيانا وشعبا، كان فرض ثالث «المرجعيات» بطلب أدوات وسلطة «الربيع» إدراج اليمن تحت «البند السابع» لمجلس الأمن الدولي واستصدار قراره بذلك وتسويغه بـ «دعم شرعية» حكم هذه الأدوات لليمن و»دعم تنفيذ مخرجات الحوار ومسودة الدستور»، في تدخل أممي غير مسبوق!
فعليا، ما من شرعية سياسية أو دستورية أو قانونية لهذه «المرجعيات الثلاث»، فمسوغ «التوافق السياسي» للمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار، سقط وانتفى قبل حتى تشكيل دول الوصاية، تحالف الحرب المتواصلة على اليمن تحت «البند السابع» ولغاية فرض «أجندة الربيع» في اليمن، رغما عن إرادة شعبه الحرة وسيادة دولته واستقلالها!

أترك تعليقاً

التعليقات