شرغة داعشي..!
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم الوشلي / لا ميديا -

أثناء دراستي الإعدادية والثانوية كنت دائماً أرسب في مادة الرياضيات اللعينة، حاولت آنذاك في اليوم مليون مرة أن أتقبلها دون فائدة، كأن هناك سوراً بلا أبواب ضُرب بينها وبين عقلي الصغير.. وفي حال اجتزت المادة بتقدير «مقبول» فهي إما صدفة أو منحة إلهية، وقبل عامين هربت من كلية التجارة مذعوراً هائماً على وجهي في الشوارع والطرقات، عقب خروجي مباشرة من أول محاضرة في مادة الرياضيات البحتة.. ومنذ ذلك اليوم لم ألتفت قط إلى تلك الكلية المرعبة والمكتظة بالأرقام.
أعتقد أنني كنت مجنوناً عندما اخترت بكل تهور كلية التجارة، ولا أشك في أن انتقالي إلى الإعلام يعد أحكم قرار اتخذته في حياتي، رغم ضياع عام كامل من عمري خلال هذا الانتقال العظيم.
أحاول جاهداً أن أشرح لك مدى بُغضي للجبر والهندسة والتفاضل والتكامل، لكي تفهم قصدي بشكل صحيح.
لكن لو خيرتني يا صديقي بين فهم مسائل الرياضيات وفهم أفعال الدواعش، لاخترت الأولى دون تردد.
أنا مستعد لفهم واستيعاب وتحليل مبرهنة «فيثاغورث» وصديقاتها بلا استثناء، ولست مستعداً البتة لفهم ما يدور في رأس داعشي لعين واحد، فدواعش هذه الحقبة الزمنية مختلون عقلياً أكثر من اللازم، بالمقارنة مع دواعش الدولة الأموية.
سوف تتألم وتأسى وتبكي، لكنك لن تستغرب إذا رأيت داعشياً يذبح إنساناً مسلماً بمشاعر أبرد من الثلج، لأنك تعلم مسبقاً أنه داعشي ويريد أن يصل إلى نشوته الإجرامية الوحشية، وفي المقابل لا بد أن تتعجب وتستغرب وتقف حائراً، إذا رأيته يهدم قبة تاريخية أو معلماً إسلامياً، لأنك تعلم مسبقاً أن القباب لا تعض ولا تؤذي ولا تشتم، ولا توجد أية نشوة إجرامية في حمل معول أو مطرقة وضرب جدار ما، بل إنه عمل شاق وممل.
إذن، فإن السؤال الذي يجب أن يحير العلماء عام 2020، ما هو سر تلك «الدودة العجيبة» التي تجعل الداعشي يطارد التاريخ الإسلامي في كل مكان؟
يوشك الصالحون الراقدون في المناطق المحتلة أن يستيقظوا من موتهم ويفروا بقبابهم وأضرحتهم بعيداً عن المعاول الداعشية.
بينما يقف تمثال «بوذا» منتصب القامة على الطريق السريع الواصل بين العاصمة أبوظبي ودبي في دويلة الإمارات، لقد رأيت في هذا التمثال طمأنينة عجيبة، كأنه يتحدى الداعشي الذي دمر قبة لحج، أن يمسه بسوء.
وفي منطقة الوثبة في أبوظبي تم افتتاح أكبر معبد هندوسي في العالم، بمساحة تقدر بـ20 ألف متر مربع، ولأن ذلك الداعشي لم يكن على علم بهذا، فقد ذهب لتفجير مسجدي بدر والحشحوش، وهدم القباب والأضرحة في لحج وتعز والساحل الغربي.
قال لي الداعشي ذات مرة إنه سيعمل على هدم أية قبة تاريخية يراها، لأن بناء الضريح والقبة في فتواهم يعتبر شركاً بالله وارتداداً عن دينه، وعندما سألته عن حال الفتوى الداعشية مع المعابد الهندوسية وتماثيل بوذا، «اشترغ» شرغة كبيرة جداً، ونسينا الموضوع أنا وهو.
تباً لهذه «الشرغة» التي قاطعتنا قبل أن أسأله عن الذنب الذي اقترفته المساجد ليقوم بتفجيرها.
المهم.. بعيداً عن مساجدنا كان الله في عونها، كلنا نعلم أن هؤلاء الذين يعملون بالمناوبة على تدمير القباب والأضرحة في الجنوب وتعز والساحل الغربي، هم دواعش حكومة الفنادق الشرعية، والمشكلة أن أكثر شخص متضرر من هذا الاستهداف للأضرحة هو صديقنا الصوفي، وصديقنا الصوفي هذا قال إن الاختلاء داخل غرفة مظلمة في قلب الصحراء، والتسبيح «ليل نهار» خير من الجهاد والتصدي للدواعش والمعتدين.
الصدق يا جماعة الخير.. عقلي مقدرش يفهم داعش ولا صوفي، أمانة خلوهم لكم.. وهاتوا لي الرياضيات.

أترك تعليقاً

التعليقات