أعظم قائد عسكري في التاريخ
- محمد الفرح الثلاثاء , 12 نـوفـمـبـر , 2019 الساعة 7:31:48 PM
- 0 تعليقات
محمد الفرح / لا ميديا -
منذ زمن بعيد عمل الأعداء على فصل الأمة عن نبيها ورموزها ومقدساتها بدءا بترسيخ المفاهيم المغلوطة والتصورات الخاطئة وتغييب الأشياء الهامة جدا من حياة الرسول وتقديمه بصورة مغايرة لشخصيته الحقيقية.
وقد تجلت رؤية المستعمرين، تجاه الرسول وتجاه معالم الأمة ورموزها وتراثها الصحيح، في أدبيات وممارسات الحركة الوهابية بكل تفريعاتها التي تقوم على ضرب المعالم واستهداف الرموز وتصوير العودة إليها أو إحيائها بالشرك والبدع والكفر، والشد إلى بدائل ضعيفة وخاطئة.
يأتي ذلك في سياق طمس الهوية الإسلامية ومحو الآثار التي تشد الناس إلى أصالتهم ورموزهم الخالدة، وكان للمؤرخين وأصحاب السير دور سلبي في تغييب شخصية الرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كقائد عسكري ورجلٍ قرآني يتحرك بحركة القرآن، فهيأوا للمغالطات والتقول عليه مقارنة بفهمنا له كشخصية قرآنية وشخصية قيادية في كل المجالات.
لذلك كان مهما جداً أن نتعرف على الرسول من خلال القرآن الكريم، فالقرآن لا يعرفك بمجرد حركات الرسول فقط، بل بمشاعر الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يعرفك بتفكيره, فتفهم كيف كانت نظرته للمجتمع الذي هو فيه، كيف كان تخطيطه وتكتيكه وتعامله وتقييمه للوضعيات وللأشخاص وللمجتمعات، وكيف كانت قيادته العسكرية المتميزة.
الرسول هو الشخصية العسكرية الفذة
لقد كان من أخطر ما رسخته تلك السير في أذهان المسلمين، أن الرسول شخص أشبه ما يكون بفقيه أو قاضٍ أو مفتٍ أو مجرد شخص يقدم المواعظ ولا يمتلك أية رؤية عسكرية وليس لديه أية خبرة قتالية أو توجه ميداني أو حنكة سياسية أو صلاحية عملية.
فنجد الكثير من الروايات المتعلقة بميدان الجهاد وحتى في ما يتعلق بحياته الخاصة، تقدم أن فلاناً هو من يوجهه بأن يكون على النهر حتى يكون قريبا من الماء ويسبقهم إليه! فيقدمونه شخصاً بسيطاً لا يعرف شيئاً!
بينما القرآن الكريم يقدمه شخصاً حكيماً وقديراً ذكياً فاهماً، وقائداً على أعلى مستوى للقيادة، ويمثل أنجح وأعظم قائد في التاريخ، قائداً لديه معرفة عالية ويعتمد عليه بشكل كبير في ميدان المواجهة {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} (آل عمران: من الآية 121)، يقاتل ويخطط ويعبئ المسلمين "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين".
ومما يعد معجزة له في هذا الشأن أنه استطاع في عقد من الزمن أن يذوب ألد الخصوم من أهل الكتاب على هامش حركته، ويقضي على أعظم الإمبراطوريات القائمة في ذلك الزمن، الفرس والروم، واستطاع أن يقضي على الشرك ويدمر الأوثان، ولم يغادر الحياة إلا وقد أسلم أغلب سكان الجزيرة العربية.
وللأسف الشديد عندما غاب التحليل القرآني لشخصية الرسول وغابت الدراسات الإسلامية التي تهتم بمعرفة تخطيطه وتكتيكه القتالي والابتكارات التي أدخلها الى الساحة العسكرية، والتي نحن في أمس الحاجة لها، وإلى وقتنا الحاضر لم تستفد الأمة منه كما ينبغي، بينما تجد آخرين ممن هم غير محسوبين على أمة محمد حللوا شخصيته القيادية بتأمل وانبهار بمؤهلاته العسكرية، حيث ذكرت إحدى الدراسات التي قدمها المؤرخ العسكري ريتشارد جابريل، الذي يقول عن الرسول صلوات الله عليه: "كان عسكريا من الطراز الأول، فقد قام في عقد واحد من الزمن بقيادة 8 معارك عسكرية، وشن 18 غارة، والتخطيط لـ38 عملية عسكرية محدودة"، وتذكر الدراسة أن الرسول أصيب مرتين أثناء مشاركته في المعارك.
ولم يكن الرسول صلوات الله عليه وعلى آله قائدا عسكريا محنكا وحسب، بل ترى الدراسة أنه كان "منظرا عسكريا" و"مفكرا استراتيجيا" و"مقاتلا ثوريا". ويرى أستاذ التاريخ والسياسة في الكلية الملكية العسكرية بكندا بأنه "بدون عبقرية ورؤية الرسول محمد العسكرية الفذة ما كان ليبقى الإسلام ويصمد وينتشر بعد وفاة الرسول. وأنه لولا نجاح الرسول محمد كقائد عسكري، ما كان للمسلمين أن يغزوا الإمبراطورتين، البيزنطية والفارسية، بعد وفاته".
لقد غاب الحديث عن الرسول كقائد عسكري حتى أصبح شيئا جديدا للكثيرين من أمته، فاستفاد من تكتيكه وتخطيطه وأساليبه القتالية الآخرون أكثر من غيرهم.
يذكر تاريخيا أن سر نجاح الجنرال الفيتنامي فونجوان جياب، خلال حرب فيتنام، أنه تبنى نفس التكتيك والاستراتيجية العسكرية التي كانت قائمة في صدر الإسلام، وهي ما يطلق عليها اليوم "حرب الشعب، جيش الشعب"، والتي تتطلب لنجاحها قوات مسلحة قوية، وشعبا يدعم جيشه.
وكان الرسول هو أول قائد في التاريخ يتبنى ذلك من خلال التعبئة العامة والجهوزية القتالية لدى كل فرد في الأمة، والاستعداد العالي للتضحية من الجميع "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم" (التوبة)، فلا يعد من المؤمنين من لا يحمل هذا الشعور ومن لم يصل الى الاستعداد للتضحية في سبيل الله تعالى.
المميزات القيمية والمبدئية للقيادة العسكرية للرسول
لقد كانت قيادة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) للجيوش، وقيادته للأمة، قائمة على الحق والعدل، وعلى القيم والرحمة والشفقة والتواضع، فلم يكن الرسول صلوات الله عليه وعلى آله قائدا متجبراً على أمته أو ظالما لها، بل كان يعاملهم بالرحمة، ويتحرك على أساس هذه القيم وبهذه الروح كرحمة من الله "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّـهِ لِنتَ لَـهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّـهِ" (آل عمران: 159). وحين ينهزم أفراده ويتفرقون عنه فهو لا يعاملهم بالقسوة والجفاء وإطلاق الألفاظ النابية عليهم، بل يستغفر لهم ويؤانسهم بالمشورة، وفي الوقت نفسه يتحرك في مواجهة الطاغوت، والظالمين والمفسدين بعزيمة عظيمة وبعزَّة قال عنها الله: "وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ" (المنافقون: 8).
فكان عزيزاً يأبى أن يخضع لباطل، ويأبى أن يُذَلّ، ويأبى لأمته أن تُذَلّ، وربَّى أمته على أساس العزة ومفاهيم العزة، وألاَّ يكون لديها القابلية للإذلال والقهر والاستعباد، فتحرك في جميع حروبه لا ظالماً ولا متجبراً ولا مستكبراً ولا طاغياً، بل تحرك على أساس العدل، ولأجل الحق، وواجه الطاغوت العربي واليهودي والنصراني، وخاض العديد من المعارك، وحرَّك الجيش الإسلامي في السرايا والغزوات والحروب حتى رست راية الحق وتحقق العدل، وعمَّ الخير، وانتشر نور الله؛ فأصبح واقع الأمة واقعاً عظيماً، حين استبدلت الذل بالعز، وأصبحت أمة كريمة، وأمة لها قضية مقدسة ومشروع عظيم.
المصدر محمد الفرح
زيارة جميع مقالات: محمد الفرح