أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

مع بداية العدوان دفعت السعودية بالمشائخ الموالين لها للمطالبة بضم حضرموت إلى المملكة، وقد وقعت ورقة بذلك من قبل 95 شيخاً من شيوخ قبائل حضرموت، يطالبون بضم المحافظة إلى السعودية، ويظهر في الوثيقة أن شيخ قبيلة بني تميم رفعها إلى الملك سلمان بن عبدالعزيز. وخاطبت الوثيقة، التي رفعها نيابة عن الموقعين إلى العاهل السعودي "سلمان بن عبدالعزيز" معرف قبيلة "بني تميم" في الربع الخالي، بالقول: "نرجو أن تنعم بلادنا بالانضواء تحت راية آية التوحيد حتى تنقطع أطماع الشيعة ويفقدوا الأمل في السيطرة عليها"، وهي ذات الدعايات الوهابية السعودية التي استخدمت في غزوتها التوسعية في اليمن والجزيرة العربية. 


في 2017م احتلت السعودية 42 ألف كيلومتر مربع من الأراضي اليمنية، وألحقتها بالمملكة، حيث قامت بإزالة أعمدة الإسمنت التي وضعت كعلامات حدودية بينها وبين اليمن في الصحراء من جوار معسكر الخراخير بمحافظة حضرموت، ونقلها لمسافة 64 كيلومتراً مربعاً، وكان المجلس السياسي الأعلى وخلال اجتماعه بتاريخ 24 أكتوبر 2017م، برئاسة نائب رئيس المجلس قاسم لبوزة-آنذاك- اعتبر ما تقوم به السعودية مخالفاً للقوانين والمعاهدات الدولية، وحذر من محاولة التوغل السعودي في الأراضي اليمنية، وحمل المرتزقة الذين يعملون لصالح العدوان من مغبة التواطؤ مع العدوان والتفريط بالسيادة. 
وتعمل السعودية من طرف واحد وبشكل عدواني على مشروع مد أنبوب نفطي من منطقتي الخراخير ونجران -المحتلتين- إلى سواحل البحر العربي في المهرة، وقد شرعت في ديسمبر 2017، بعمليات الحفر ووضع بعض القواعد الإسمنتية في منطقة "طوف شحر" الحدودية، تهيئة لتنفيذ المشروع، ولكنها لاقت مقاومة شرسة من قبائل المهرة، التي رفعت شِعار الدفاع عن السيادة الوطنية.

الوقوف ضد الوحدة اليمنية
كغيرها من الملفات الوطنية تعاملت السعودية مع ملف الوحدة اليمنية بروح العداء، ومارست أشد الضغوط لمنع إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، حيث رأت في هذا الملف تناقضاً مع ركيزتها في الوجود، وهو تقسيم الجزيرة العربية إلى دويلات والتوسع فيها، فكان ملف تحقيق الوحدة اليمنية يعني الصدام مع التوجه الاستراتيجي للسعودية والإمارة النجدية منذ مطلع القرن التاسع عشر. وحتى الوضع الراهن تقف السعودية ضد الوحدة اليمنية، وتعمل على إثارة النزعات الانفصالية ودعمها، وخاصة في الأطراف اليمنية المجاورة لها، حيث تمهد لضم وإلحاق هذه المناطق بالمملكة عن طريق شراء الولاءات والتجنيس وغيرها من الألاعيب الاحتلالية الاستعمارية.
كان النظام الموالي للسعودية في الشمال هو الركيزة الأولى في محاربة السعودية لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، مع مساعيها في دعم النظام الموالي لها في صنعاء إلى اجتياح عدن وإلحاقها بالشمال والهيمنة السعودية. ففى 1972/ 1973، و1979/ 1980م مارست السعودية ضغوطاً على السلطة الموالية لها في صنعاء، بعدم تنفيذ اتفاقيات الوحدة التي وقعتها مع عدن. 
"عندما حصل اتفاق سعودي يمني على إنهاء الحرب الأهلية عام 1970م، ازداد الدعم السعودي لمعارضي الحكم في عدن، وحصلت توترات في الحدود نتيجة تحشيد القوات المعارضة للحكم في الجنوب والمدعومة من قبل السعودية، وفي 1972 زار "روجرز" وزير خارجية الولايات المتحدة، اليمن (الشمالي)، لم يمض سوى شهر على هذه الزيارة حتى اندلع القتال بين البلدين (اليمن الشمالية، واليمن الديمقراطية)، في سبتمبر 1972م.
لاحقا التقى رئيسا وزراء البلدين في القاهرة، ثم التقى في طرابلس رئيسا البلدين، عبدالرحمن الإرياني وسالم ربيع علي، واتفقا على إقامة دولة واحدة خلال سنة، لكن التوتر عاد مرة أُخرى، حيث قامت السعودية بتوزيع الأموال على الشيوخ وضباط الجيش الذين عارضوا محسن العيني (رئيس الوزراء الشمالي آنذاك)، وقامت السعودية بضغوط اقتصادية على اليمن حتى تم تغيير رئيس الوزراء بشخص موالٍ للسعودية، وهوَ عبدالله الحجري".
عملت السعودية على الدفع بصنعاء ومرتزقتها الهاربين من الجنوب اليمني وما سميت "الجبهة الاسلامية"، نحو إشعال الحروب في الحدود بين الشطرين، والعمل على عدم تلاقي الأطراف اليمنية، وليس من المصادفة أنه تم اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، في 11 أكتوبر 1977م، قبل يوم واحد من زيارته المرتقبة لمدينة عدن للبحث مع الرئيس سالم ربيع علي، في قضية إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وكان مخططا أن يتم الإعلان يوم 14 أكتوبر 1977م، بالتزامن مع ذكرى ثورة 14 أكتوبر 1963م.
وقبيل إعلان الوحدة اليمنية، العام 90م، مارست السعودية ضغوطاً مختلفة على كل من حكومتي الجنوب والشمال، من أجل إعاقة نجاح هذه المساعي، من بينها التلويح لعدن بدعمها ماليا، وتوجيه الإخوان في اليمن لرفض الوحدة مع من وصفوهم "بالاشتراكيين الملحدين"، على الرغم من أنه تمت طمأنة السعودية بأن الوحدة اليمنية لا تهدف للإضرار بالمملكة، بل تزيد من أمن واستقرار المنطقة، ومع ظهور أزمة صيف 1994م دعمت السعودية عودة اليمن إلى التشطير، وذلك عبر الدعم العسكري والمالي للتوجه الذي اتخذه رئيس اليمن الديمقراطية سابقاً علي سالم البيض.
أما بعد فشل هذه المحاولة الانفصالية فقد دعمت مختلف الممارسات التي قام بها النظام المنتصر في حرب صيف ذلك العام، والتي هدفت إلى الانقلاب على الوحدة واجتثاثها من المجتمع اليمني في الجنوب، ودعمت الاجتياح الوهابي للجنوب اليمني. ووصولاً إلى اليوم تُظهر المملكة دعمها للوحدة اليمنية فيما تمارس على الأرض النقيض لذلك، وها هي مؤخراً قد أصبحت محتلاً جديداً للجنوب اليمني بعد الانسحاب الشكلي الإماراتي. 

جريمة اغتيال الرئيس الحمدي
لم يكن إبراهيم الحمدي ضابطاً مجاهراً بالعداء للسعودية مقارنة بالسلال والضباط حوله، ولا يُذكر للحمدي دور في حصار السبعين، لكنه أراد التعامل مع السعودية وفق روح "اتفاقية المصالحة" بأن تتعامل السعودية مباشرة مع الحكومة اليمنية، وتحترم سيادتها، ورفع شعارات التنمية وبناء دولة القانون، إلا أن السعودية كان لها رغبة أخرى، وهي استمرار علاقتها بالقوى المشيخية الموالية لها، ورفض الحمدي لهذا الأمر أدى إلى مقتله عام 1977، بتخطيط وتنفيذ وإشراف سعودي. وكانت السعودية ضغطت على الرئيس الحمدي لطرد الخبراء السوفيت واستبدالهم بأمريكيين، وحاولت الانقلاب عليه بمساعدة الشيوخ المدعومين من قبلها في 13 يوليو 1975م، ثم في 16 أغسطس 1975، ثم في 20 فبراير 1976م، ثم في بداية يوليو 1977م في صعدة، حتى اغتالته في 11 أكتوبر 1977م، ثم نصبت شخصاً موالياً لها، وهو الرئيس أحمد الغشمي، تلاه عميل آخر، وهو علي عبدالله صالح. 
بعد استشهاد الرئيس الحمدي، دعم النظام السعودي صعود العقيد علي صالح إلى واجهة النظام، في 17 يوليو 1978م، وكان من أهم الأهداف التي حملها هو تصفية "الجبهة الوطنية الديمقراطية" في شمال الوطن، ومن ثم الانقضاض على النظام الوطني في جنوب الوطن. وقد رعت المملكة السعودية اتفاقاً بين الاخوان المسلمين وعلي صالح شكلوا على إثرها ما سُمي "الجبهة الإسلامية" التي أصبحت في ما بعد أداة أمريكية للحرب على الاتحاد السوفياتي، ومنها نشأ تنظيم القاعدة في اليمن.

استغلال وقهر المغتربين اليمنيين
يمثل المغتربون اليمنيون، الكم الأكبر من مجموع الطبقة العاملة في السعودية، فهم الأكثر عدداً والأدنى أجراً، وعلى سواعدهم قامت المملكة السعودية الحديثة، مجردين من أي حقوق عمالية، فظروف العمل في السعودية خارجة عن المواثيق الدولية التي ضمنت حقوقاً للعمال، ولا ينتاب الغرب "المتمدن" أي انزعاج من وضع العُمَّال وانعدام الديمقراطية في هذا البلد!
وما تعتبره السعودية تهريباً ودخولاً لاشرعيا هو حق مثبت ومقر في "اتفاقية الطائف" 1934 ومعاهدة "جدة" 2000م، بأن يحظى اليمني بحقوق تضمن له حرية الدخول والحركة والعمل والملكية في السعودية، وهي الحقوق التي انقلبت عليها السلطة السعودية، التي تعجز عن فصل التداخل الاجتماعي في المناطق الشمالية اليمنية مع الأقاليم اليمنية تاريخيا.
"بُني الاقتصاد السعودي على أكتاف مئات الآلاف من العاملين اليمنييين. فإلى عام 1975م، كانت الرياض 5 شوارع فقط (البطحاء وأم الحمام والملز والنسيم وطريق الخرج)، وكان الرأسمالي اليمني، خالد بن محفوظ، صاحب أول بنك تجاري في المملكة (البنك الأهلي)، يقرض الحكومة السعودية. ومثله كان بن لادن، ومحمود سعيد، وعبدالله بقشان، ومحمد العمودي، الذين منحتهم المملكة جنسيتها للبقاء فيها، وضيّقت الحصار على من أراد منهم استثمار ولو جزء يسير من أمواله لخدمة بلده الأصلي (اليمن)، بل صادرت بعضها بطرق ملتوية، كما حدث مع عائلة بن محفوظ الذي استوليَ على غالبية أسهم بنكه قبل سنوات، وكذلك الأمر مع مجموعة بن لادن".
ويتعرض المغتربون اليمنيون إلى القتل والتعذيب في السجون السعودية، وقتل شبه يومي من قبل حرس الحدود السعودي، وحوادث قتل أُخرى يطويها الإعلام السعودي بإعلان وفاة يمنيين في حوادث سير وغرق، كما لا يقوم النظام السعودي بأي تحرك تجاه العصابات الإجرامية التي تقوم بقتل اليمنيين في السعودية ونهبهم، وهناك مئات اليمنيين الذين يتحدث الإعلام السعودي عن مقتلهم في ظروف غامضة.

أترك تعليقاً

التعليقات