كيانات كسيحة لديمومة النهب الغربي
 

وائل إدريس

وائل إدريس - كاتب يساري ليبي -

يتحدث البعض عن كون أميركا تمارس الاقتصاد الحر. وبرغم أن هذه المكونات الاقتصادية لا يمكن أن تكون آلية مشتركة في تطور كل اقتصاد دولة أو أنها تنطبق علی الكيانات الكسيحة التي لا تمتلك أسواق كبيرة يمكن أن تطور من وسائل إنتاجها بالأساس، إلا أن حتی هذا القول لا ينطبق تماما علی الاقتصاد الأميركي في الوقت الذي يعلن ترامب فيه عن كون الحمائية ستجلب الازدهار للأميركيين، فرفع التعريفات الجمركية بشكل كبير جدا علی البضائع الصينية وكذلك علی الحديد الصلب من كندا والمكسيك وأوروبا، والأخيرة تحديدا قامت بذات الشيء قبل فترة بسيطة علی الصلب الصيني.
ممارسة الحمائية وضرب كل شروط الاقتصاد الحر ليس وليد اللحظة في أميركا، في بداية صناعتها قامت بذات الشيء ضد بريطانيا، في العشرينيات من القرن الماضي فرض الرئيس الأميركي هربرت هوفر قانون Smoot-Hawley Tariff الحمائي ضد الدول الأجنبية الذي وجد فيه المشروع الذي يعزز العمالة المحلية ويحمي المستوی المعيشي للمواطن الأميركي.
يؤكد خبير الاقتصاد في جامعة كامبريدج، ها جون تشانج، أن معظم الدول الغنية اليوم "في الواقع مارست درجات كبيرة من الحمائية لفترات كبيرة" خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، فاليابان قامت مثلا بحماية صناعة السيارات الناشئة في بلادها لمدة أربعين عاما بعد الحرب العالمية الثانية، 40 عاماً كانت اليابان تضرب حرية السوق بعرض الحائط لتصبح "تويوتا" و"نيسان" علی ما هي عليه اليوم.
حتی عندما فشلت السياسة الحمائية البريطانية ضد المنافسة الألمانية في تمددها قبل الحرب العالمية الأولی، ذهبت بريطانيا في اتجاه الحرب، مع ذلك حرية السوق تخدم الدول الصناعية في المركز الرأسمالي، لأن حرية السوق في حينها لا تخضع لمنافسة بضائعها بل تعني أن صناعة تلك الدول -الناشئة التي تسيطر عليها أميركا والغرب- لن تقف علی قدميها وستمتلك الدول في المركز الرأسمالي الغربي بالتالي أسواق العالم، لكن هذا ليس كافيا لوحده، لأن دول الأطراف ستطور صناعتها إذا ما عملت علی ممارسة الحمائية علی أسواقها. طبعا، هذه قاعدة صحيحة لو قلنا إن كل بلد مستقل ومعترف به أمميا هو مستقل من الناحية السياسية أو أنه يمتلك شروط الدولة ويمتلك السوق القادر علی نشوء الصناعة فيه. لذلك تعمل منظومة النهب الغربية علی عدم توفير تلك الشروط بخلق كيانات كسيحة لديمومة نهبها والسيطرة علی أسواقها، فتصبح ليبيا دولة وتونس دولة ولبنان دولة والجزيرة العربية ليست دولة فحسب، بل مجموعة من الدول، وهكذا دواليك.. وقد يتمادی العملاء في الوصف لإطلاق مصطلحات الأمة الليبية والأمة السعودية والشعب الفينيقي، والتعددية، وكل هذا بالنتيجة لا يخدم إلا مشروع النهب وديمومة الاقتصاد الريعي وبالتالي الحفاظ علی الاجتماع القرابي الحالي وتناقضاته. ونمط معاش هذا الاقتصاد هو بالمحصلة الفساد، وهذا تحاربه ظنا منك أنك قادر علی القضاء عليه وأنه مشكلة النظام ذاته أو أنه ثقافة شعبية بكل عقل مثالي أو كاره لذاته، لكنه يوظف من جديد ضدك لأنك لا تلغي وجوده الأساسي، وهي منظومة النهب وأهم أركانها التجزئة، بل غالبا ما تقوم به -كالربيع العربي- هو في إدامته أكثر، أو محاربة الدول الوطنية التي كان مشروعها التقدمي يخدم إنهاءه ويبني تأسيس تلك الدولة الصناعية حتی لو كان الفساد أحد مظاهرها.

* كاتب يساري ليبي

أترك تعليقاً

التعليقات