الصبر والصمود اليماني أمثولة الأحرار
 

غالب قنديل

غالب قنديل - كاتب لبناني -

نادرا ما شهد التاريخ الحديث للوطن العربي ملحمة صمود وتحرر بمثل ما سطره اليمنيون خلال السنوات الماضية في مجابهة العدوان الاستعماري الأميركي السعودي، الذي تحول إلى طاحونة دماء ونفط وسوق سلاح وخلف كارثة إنسانية شاملة بحق الملايين من أبناء اليمن المصممين على الصمود والتحرر الوطني الناجز.
كفى بيانا عن هذه المذبحة المتواصلة ما تعترف به تقارير الأمم المتحدة عن أعداد الضحايا والمصابين، وعن حجم ما خلفه العدوان والحصار من ويلات وأمراض وأوبئة ومظاهر جوع وعوز طالت الملايين. ولم يخفت صوت اليمنيين الصارخ في التصدي للعدوان والتمسك بإرادة التحرر والصمود، بل والتضامن مع فلسطين وشعبها ومقاومتها في مسيرات مليونية حماسية تحت الغارات والتهديد.
إن أقسى ما يتعرض له شعبنا العربي في لبنان وسورية والعراق من حصار وضغوط وأزمات متفجرة لا يساوي شيئا مما يواجهه اليمنيون بكل صبر وثبات وتماسك وتصميم على النصر، ففي اليمن حصار محكم وتام جوي وبري وبحري يحكم سد سائر المنافذ المحتملة للحصول على المواد الغذائية أو لتصدير المنتجات والمحاصيل. ويعتمد اليمنيون على زوارق الصيد في نقل ما يستطيعون الحصول عليهم من السواحل القريبة بسليقة البحارة وصيادي اللؤلؤ التي هي مراسهم منذ قرون بعيدة، بينما يواصلون الزرع والحصاد تحت الغارات الجوية المتواصلة ويعتمدون على الاقتصاد الريفي الطبيعي في قراهم وبلداتهم.
إن العيش في اليمن باعتراف وسائل الإعلام العالمية بات عملية شاقة وشديدة الصعوبة، ولكن اليمنيين يتظاهرون تضامنا مع أهل غزة المحاصرين ويقدمون الشهداء ويعضون على الجراح ولا يضغطون على قيادتهم الوطنية الحرة التي يتماسكون خلف خطها التحرري الاستقلالي الذي هو الضمانة لتحرير خيرات اليمن وبناء دولة وطنية مستقلة ونامية لأجيال فتية تتطلع إلى مستقبلها بكل وعي وتحفز.
لا يتقاضى اليمنيون العاملون في المؤسسات العامة رواتبهم بانتظام، وربما يمر شهران أو ثلاثة قبل دفع نصف راتب شهر واحد، وهم يواصلون أداء الخدمة العامة بوصفها جهدا يرفد المقاومة والصمود في التصدي للعدوان الاستعماري. ورغم ما يوجه إلى اليمن من أدوات تحريض وتخريب سياسيا وإعلاميا، فإن الثقة بالقيادة الوطنية التحررية تترسخ وفي ظلها تكرس طاقات هائلة لإبداع أدوات الدفاع والردع بعقول وسواعد الشباب اليمني المتعلم والمصمم على النصر.
لقد تكيف اليمنيون تاريخيا مع ظروف العيش الصعبة وأتقنوا حياة الجبال والشعاب الوعرة الجرداء، فامتلكوا مراسا هائلا في القدرة على قهر أشد الصعوبات والمشقات وخرج من صفوفهم على الدوام محاربون أشداء يحسنون انتزاع النصر من عيون الأعداء.
الصبر والحكمة والإبداع هي ميزات جيل جديد من المقاومين اليمنيين الذين امتلكوا التكنولوجيا الحديثة وطوعوها في سلاحي الصواريخ الباليستية الدقيقة والطيران المسير. والأهم من التساؤل عن كيفية انتقال تقنيات التصنيع والاستخدام على يد رفاق محور المقاومة والتحرر في المنطقة، هو قراءة تأثير الضربات اليمنية النوعية في توازن القوى وقد ارتدت أصداؤها في أعماق الناس مزيدا من الثقة والأمل بنصر عظيم وثقة متجددة بالقيادة الوطنية التحررية التي تقود مقاومة شعبها وسط صعوبات شديدة وقاسية، مقابل موازنة حربية ينفق عليها النظام السعودي 43 مليار دولار كل سنة حسب شهادة جيفري فيلتمان أمام الكونغرس الأميركي حول لبنان.
يعيش الشعب اليمني ظروفا تشبه ما عاشه الفيتناميون في مقاومتهم للغزو الاستعماري الأميركي، فاليمنيون عرضة للغارات بالقنابل القاتلة والحارقة ويحيط بهم الحصار من كل الجهات. ورغم ذلك يواصلون زرع حقولهم والعمل في المصانع والتعليم في المدارس، وتستمر مرافقهم الطبية في الخدمة رغم شح الأدوية والمواد الطبية؛ حيث تكافح الأطقم الطبية المتخصصة لابتكار الوسائل الممكنة في معالجة مرضاها ولإسعاف جرحاها.
رغم تجاربنا المتميزة في المقاومة والصمود وانتزاع النصر، نحتاج في بلدان المشرق العربي المحاصرة إلى التعلم من الروح اليمانية العظيمة التي تقدم للعالم امثولة في الصمود والثبات والتكيف والمقاومة. وعلينا أن ننشر وعيا يقوم على عبرة أن الصبر هو مقاومة في مجابهة الصعاب وابتكار البدائل في تفاصيل العيش هي رديف التصميم على النصر، فالمعركة مفتوحة ومتواصلة في وجه الحلف الاستعماري الصهيوني ومنظومة الهيمنة، والاعتماد على النفس هو طريق الحرية والانعتاق من قبضة الوحش الاستعماري اللصوصي وقيادته الأميركية الصهيونية المتعطشة للثأر من هزائمها أمام المقاومة الشعبية والوطنية في لبنان وسورية والعراق وفلسطين واليمن.
إننا نلح في دعوة القوى الوطنية الأصيلة وقيادة المقاومة بالذات لبناء جبهة شعبية للتحرر الوطني ولتحويل الخطاب الأخير لقائد المقاومة إلى مشروع برنامج متكامل للتحرر والاستقلال ولقيادة مسيرة وطنية تحررية تضمن توفير مستلزمات الصمود الشعبي بكل الوسائل المتاحة في الداخل ومن سورية والعراق وإيران.
مسيرة تقود الانعتاق من كل أشكال الوصاية والهيمنة الأميركية في لبنان. ونداؤنا إلى شعبنا: كونوا يمانيين في صبركم وصمودكم وصلابتكم، فما نواجهه ليس سوى القليل مما يجابه أشقاءنا في اليمن الذين يسطرون لنا أمثولة غنية بالصبر والتفاني.


*  كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات