ثوار وحكومات
 

أحمد الشريفي

أحمد الشريفي / #لا_ميديا -

بين ثورات الجدائل الشقراء وبناطيل الجينز وبين تراخي الحكومات تتناسل الأسئلة وتظهر التفاصيل.
منذ أحداث الربيع العربي 2011 م وحتى اللحظة يلحظ المتتبع المطبات التي تقع فيها كل من السلطة والجماهير على حد سواء، فالسلطة التي تسيطر على مقاليد الحكم لأكثر من 3 عقود لا تقوم بواجبها بالشكل الصحيح الذي يمنع الانزلاق إلى الفوضى، وغالبا ما تكون تبريرات الحكومات عند الإخفاقات بالإمكانيات والقوانين، وليس بالفساد والتراخي وعدم إعطاء المسؤولية التي أوكلت إليها جدية حقيقية في الإصلاحات، وبذلك تقع في مطب هي التي أنتجته وأوجدته، وعندما تتحرك الجماهير لإسقاط الحكومات، تتعهد بإصلاحات كبيرة خلال أسابيع، وبحلول جذرية لكافة المشاكل، وتظهر كفاءتها في كل المجالات. ما يضع علامة استفهامات كثيرة أهمها لماذا لم تقم بتلك الإصلاحات منذ 30 عاماً مادام لديها القدرة والاستطاعة على إنجازها خلال أسابيع؟ وهل يمكن للجماهير أن تثق بتلك الحكومات بعد أن كشفت قدرتها على معالجة الأوضاع المأساوية ولكنها لم تفعل؟!
المطب الآخر والأكبر يتعلق بالجماهير، ويقاس عن طريق الوعي، فعندما تتجه للميدان للاحتجاجات والتظاهرات سرعان ما تلقى استجابة بتنفيذ مطالبها، لكنها لا تقوم -أي الجماهير- بالتقاط مبادرة السلطة والضغط عليها لتحويلها إلى واقع ملموس، وإنما تنجر وراء شعارات إسقاط السلطة برمتها ورفع شعارات تتيح للآخرين التخفي وراءها، شعارات يستغلها أعداء الدولة التي خرجت فيها الجماهير لتنفيذ مخططها، وتحويل تلك الدولة إلى فوضى يسودها الدمار والتخريب وفقدان الأمن وانهيار الاقتصاد، وهذه إشكالية تقع فيها الجماهير وتجد نفسها مسيرة لأجندات مشبوهة لا مخيرة في اتخاذ قرار يصب في مصلحتها، وأدق وصف لهذا المطب أو هذه الحالة كتبه الصحفي الكبير صلاح الدكاك "تبدأ الثورات العبرية الملونة بجدائل شقراء فاقع لونها وسوداء فاحمة وبناطيل جينز بفتحات تهوية وحقيبة ظهر وكاب عليه نجمة حمراء ووشم جيفارا، ثم تدخل دور تسليم تنتقل بموجبها الدفة لـ"لحى وخوذات بيضاء وحمراء وقبضات سوداء" وجلابيب أفغانية وصدريات مدروزة بالبارود والـ"تي. إن. تي" وحماة ثورة وغرف موصولة لا إراديا بالبيت الأبيض، وبين أولئك وهؤلاء وعلى هامش المشهد ينتحب المغفلون "لقد سرقوا ثورتنا"، وأما الجوعى والمشردون الذين تندلع الثورات الملونة باسمهم فيدخلون في أتون الحرب أفواجاً باعتبارها السبيل الوحيد للحصول على الخبز والمأوى ولو ببيع الأنفس للشيطان".
نعم هذا ما يحدث ويعتمل في الواقع بعد أن تتم طباخته في أروقة وزوايا البيت الأبيض والموساد، فما هي آفاق وتطلعات ومستقبل العروبة والإسلام في ظل هكذا وضع؟ وهل يمكن أن تكون هذه الثورات الملونة محكومة بوعي الجماهير؟ وإذا ما وجد هذا الوعي من خلال تصاعد المقاومة للمشروع الامبريالي الصهيوني، هل سيبتكر الأعداء وسيلة أخرى لخلق الفوضى، أم أن زمن الثورات الملونة آخر أوراق البيت الأبيض ومن يعمل معه ويدور في فلكه، وسنشهد نصراً كبيراً يبدأ من اليمن ويتوهج في فلسطين، ومعه تنكسر القوى المستكبرة الآتية من وراء البحار، ويولد عالم جديد؟!

أترك تعليقاً

التعليقات