حصاد الخطة الأميركية: فشل وتعثر
 

غالب قنديل

#غالب_قنديل - كاتب لبناني  / #لا_ميديا -

تتبلور في أوساط مراكز التخطيط الأميركية اعترافات متلاحقة بالعجز عن تغيير المعادلات والتوازنات في المنطقة من خلال الانقلاب على خيار المساكنة السياسية مع قوى محور المقاومة وحلفائه في لبنان والعراق، بينما لم يفلح تصعيد الضغوط والعقوبات الشرسة أو القاتلة -كما وصفها دونالد ترامب- في زعزعة صمود إيران وسورية.
أولاً: إنه الفشل، رغم كل ما رمي من جهود وقدرات ضخمة، وما طورته الإمبراطورية ومعها دول غرب أوروبا من أدوات ووسائل لمحاولة التأثير بالرأي العام في البلدان الخمسة المستهدفة: إيران وسورية والعراق ولبنان واليمن، بما في ذلك تحفيز القوى القديمة والجديدة التابعة لمنظومة الهيمنة الغربية، ولاسيما في ساحتي المساكنة: لبنان والعراق، حيث كشف المخططون أوراقا كثيرة احتفظ بها الأميركيون وبنوا لها قدرات وراكموا فيها خبرات وشبكوها بعلاقات خفية وظاهرة وبتمويل ضخم وسخروا في خدمتها منصات إعلامية محلية وعالمية سبق أن حشدوها في حروبهم وفي حملات شيطنة الخصوم.
تقارير العملاء وكتاباتهم ما تزال مكرسة للحض على المزيد من الشيء نفسه، لكن ثمة خبراء أميركيين المعنيين ببلورة تقدير الموقف بناء على المعطيات والمعلومات الواقعية لتحاشي تضليل مراكز القرار الإمبراطوري وتوريطها في حسابات مغلوطة تضعها في سياق مغامرات خاسرة بفعل مبالغات العملاء المحليين.
ثانياً: ظهرت معالم الخطة الانقلابية بوضوح، لكن محور المقاومة اكتفى حتى الساعة بقرار تعطيلها ومنع تقدمها سياسيا، رغم امتلاكه أوراق قوة قادرة على عكس الاتجاه وقلب الصورة بمبادرات ميدانية، عبر تصعيد عمليات فصائل المقاومة باستهداف المواقع العسكرية الأميركية في سورية والعراق وممرات البحر الأحمر، وهو ما يلاقي لعبة حافة الهاوية الأميركية ويردعها بحافة هاوية معاكسة، وحيث تقول التجربة إن دماء الجنود والتوابيت المشحونة إلى الولايات المتحدة هي الوسيلة الأفضل لقلب حسابات واشنطن رأسا على عقب.
عدم تبني مبادرات هجومية شاملة بهذا المحتوى يعني أن محور المقاومة يكتفي حتى الآن بالسعي لإحباط المحاولات الانقلابية ومنع استكمالها، بل والرهان على تجديد المساكنة السياسية، وهو ما تكشفه يوميات الصراع السياسي حول الحكومة الجديدة في كل من لبنان والعراق، حيث اعترف باحثون أميركيون بعدم القدرة على خلخلة المعادلات رغم ما صرف من جهود وما بذل من أموال.
ثالثاً: اعترف الباحث الرئيسي في معهد واشنطن ديفيد بولوك باستعصاء جمهور المقاومة على محاولة الاستمالة في مناخ الحراك المركوب والمخطوف، استنادا إلى استطلاع رأي حديث قال إن بياناته الإحصائية تدل على ثبات كتلة مؤيدي المقاومة من الشيعة عند معدل 82 بالمئة من العينة المستطلعة، بينما تغيرت -وفق بولوك- وبصورة محدودة نسب التعاطف مع المقاومة في الطوائف الأخرى، رغم كل حملات الشيطنة ومحاولة استثارة العصبيات واستدراج الفتن والدماء التي ظهرت على مسرح الأحداث تحت عباءة الحراك، ورغم الأخطاء المرتكبة في صيغ المجابهة المقابلة، ورغم تمويه صورة الحراك السياسية والإعلامية، بما فيه من خليط سياسي عقائدي يسهل على الأميركيين تصنيع أقنعة دعائية مضللة، ومهما تنصل المتورطون من التيارات الوطنية التي التحقت بالساحات والشوارع وتاهت في الزحام.
المخاضان اللبناني والعراقي يندفعان في عكس اتجاه المشيئة الانقلابية الأميركية، خصوصا مع تعطيل خطة تنصيب عميل أميركي في رئاسة الحكومة هو نواف سلام، وتكوين جهاز وصاية برئاسته، بينما الاضطرابات تستنفد قدرتها على تفعيل تغييرات جدية في التوازن السياسي والذهاب إلى صدامات كبيرة عسكريا ستهدد بردود قاتلة تستهدف الاحتلال الأميركي والكيان الصهيوني.
رابعاً: الفشل الأهم للخطة الأميركية حققته صلابة وفاعلية المجابهة الإيرانية والسورية السياسية والاقتصادية والمالية للعقوبات والضغوط المتصاعدة، ونجاحها في الحد من الأضرار والمخاطر، في حين تجذرت معادلات الصمود وإرادة التحدي والتمرد ضد الهيمنة الأميركية وحلفها العدواني في سورية وإيران واليمن، وستكون الخيارات الواقعية المتاحة في لبنان والعراق هي المضي في تسويات داخلية جديدة تعزز فرص هزيمة الخطط الأميركية مع ترك باب العودة للمساكنة مفتوحا بشروط جديدة، وبناء قدرات شعبية ووطنية متماسكة لمواجهة الحصار والضغوط الاستعمارية الرجعية الصهيونية.
محور المقاومة يملك القدرة على متابعة الصمود الذي يستدعي خططا أشد جذرية وحزما، والمسارعة إلى المزيد من تشبيك القدرات والإمكانات الاقتصادية بين بلدانه، وتفعيل خيار الاستنزاف الممكن للاحتلال الأميركي في سورية والعراق.

كاتب لبناني.

أترك تعليقاً

التعليقات